النهار

إيران بين "هيهات منّا الذّلة" و"هيهات منّا شاي دبش"!
يوسف بدر
المصدر: النهار العربي
تفاقم النزاع لدرجة أن بدأ أنصار التيار المحافظ يسيئون الى الإصلاحيين عبر تريد الشعارات المسيئة والاشتباك بالأيدي، مثلما جرى خلال المؤتمر الانتخابي للمرشح بزشكيان في حسينية "تشهل تن" في مدينة كاشان الأصفهانية، السبت الماضي 22 حزيران (يونيو)، إذ اتهموا الوزير جواد ظريف خلال كلمته بالكذب ورددوا الشعارات التي لطالما اتهمت الإصلاحيين بالتبعية للغرب.
إيران بين "هيهات منّا الذّلة" و"هيهات منّا شاي دبش"!
صور للمرشح الإصلاحي مسعود بزشكيان في طهران. (أ ف ب)
A+   A-

بات ملف السياسة الخارجية والبرنامج النووي نزاعاً سياسياً في الانتخابات الرئاسية في إيران، رغم أن المناظرات التلفزيونية بين المرشحين لم يحمل عنوانها إشارةً إلى تلك الملفات بعد، وينصبّ تركيزها على المسألة الاقتصادية.

لكن المعادلة الانتخابية 5+1 فرضت ذلك النزاع، فالمرشحون الخمسة من التيار المحافظ (قاليباف وجليلي وزاكاني وبور محمدي وهاشمي) لديهم قلق من فوز المرشح الوحيد عن التيار الإصلاحي مسعود بزشكيان، ولذلك بدأوا توجيه سهام النقد إلى سياسة حكومة الرئيس السابق حسن روحاني التي تم التوقيع على الاتفاق النووي عام 2015 في عهدها، خصوصاً أيضاً أن بزشكيان يقف على المنصات الانتخابية وإلى جانبه وزير الخارجية السابق محمد جواد ظريف الذي قاد المحادثات النووية والذي اشتهر بابتسامته مع الغرب.

وقد وصل الأمر إلى أن طلب الرئيس روحاني من مؤسسة الإذاعة والتلفزيون أن تخصص وقتاً له ولأعضاء حكومته السابقين للرد على ما أطلقه المرشحون ضد سياسة المفاوضات النووية إبان عهده. ولقد بدأت الدعاية الانتخابية تأخذ منحى الصراع بين التيارين المحافظ والإصلاحي، فقدم الطلابُ التعبويون في جامعة طهران دعوة إلى إقامة مناظرة سياسية بين روحاني والمرشح زاكاني على خلفية تصريحات الأخير المسيئة إلى حكومة الأول.

وتفاقم النزاع لدرجة أن بدأ أنصار التيار المحافظ يسيئون إلى الإصلاحيين عبر تريد الشعارات المسيئة والاشتباك بالأيدي، مثلما جرى خلال المؤتمر الانتخابي للمرشح بزشكيان في حسينية "تشهل تن" في مدينة كاشان الأصفهانية، السبت الماضي 22 حزيران (يونيو)، إذ اتهموا الوزير جواد ظريف خلال كلمته بالكذب ورددوا الشعارات التي لطالما اتهمت الإصلاحيين بالتبعية للغرب.

لكن ظريف أشعل المنبر كعادته قائلاً: "ألا تخجلون من اتهامي بالكذب رغم أن المرشد الأعلى لطالما أشار إلى صدقي، عار عليكم!".

وتصاعدت حماسة الشباب الإصلاحي بالتصفيق له حين قال: "أنتم تقولون: هيهات منا الذلة!"، في إشارة إلى العبارة الحسينية التي لطالما رفعها المحافظون في وجه سياسة الإصلاحيين تجاه الاتفاق النووي والحوار مع الغرب. ثم عقب بعدها بعبارة "هيهات منا شاي دبش!"، في إشارة إلى قضية الاختلاس الكبرى التي كُشف عنها في عهد حكومة ابراهيم رئيسي، إذ إن العقوبات الغربية كانت بمثابة فرصة لنمو الفساد والتكسب من سياسة المقايضة والتحايل على العقوبات.

في أي طريق؟
إن شعار "في أي طريق.../به كدام راه...؟" الذي رفعه طلاب جامعة شريف للتكنولوجيا في طهران، خلال استضافتهم المرشح المحافظ سعيد جليلي، السبت الماضي، يعبر عن الحالة السياسية التي يعيشها الداخل حالياً، وكأن إيران أمام طريقين، إما طريق الإصلاحيين والحوار مع الغرب، أو طريق المحافظين وعدم الرهان على الغرب!

ولذلك يهاجم المحافظون بقسوة سياسات الحكومات الإصلاحية، فيقول المحافظ جليلي: "يجب ألا نعطل بلدنا من أجل انتظار مصير المحادثات النووية، حتى في النهاية نقوم بصب الخرسانة في قلب المفاعل النووي ونحني رقابنا للغرب"، وذلك في هجوم منه على سياسة حكومة روحاني خلال الاتفاق النووي.

ولقد بدأ المرشد الأعلى علي خامنئي يستشعر القلق من أن الأمر قد يخرج عما تم التخطيط له بأن تكون المنافسة بين المحافظين والإصلاحيين سبباً لعودة الحياة السياسية واجتذاب الشباب والأصوات الإصلاحية والرمادية مرة أخرى إلى صناديق الاقتراع.

ولذلك لوح بعصا القضاء حينما اجتمع مع رئيس السلطة القضائية غلام حسين إيجائي، السبت الماضي، قائلاً: "توصيتي ألا يصرّح المرشحون خلال مناظراتهم التلفزيونية أو مؤتمراتهم الانتخابية بما يُفرح العدو من أجل غلبة مرشح آخر"!

وسواء فاز رئيس محافظ أم إصلاحي في الانتخابات المقررة الجمعة المقبل، فإن تجربة حكومة رئيسي أكدت للنظام الحاكم أن العقوبات في حد ذاتها مشكلة رئيسية لاقتصاد إيران، فاستمرارها يعزز من الفساد الداخلي ومن الحاجة لأدوات خفية أو غير شرعية لتجاوز العقوبات، وهو ما يخلق بيئة غير صحية للاقتصاد الإيراني.

اتصال متبادل
تدل التحركات النشطة للقائم بأعمال وزير الخارجية على باقري كني، على أن النظام الإيراني فطن إلى أهمية عدم قطع إشارات الاتصال مع القوى الغربية، وأن تلك القوى تبادله الرغبة نفسها، مهما ظهر من توتر في العلاقة بين الطرفين.

فإن كانت العلاقة قد تشنجت بين إيران والقوى الغربية بعد قرار الوكالة الدولية للطاقة الذرية مطالبة إيران بالتعاون الإيجابي، فإن تصريحات مدير الوكالة الدولية رافائيل غروسي الى صحيفة "نويه تسخر تسايتونغ" السويسرية، بأنه "لا دليل على أن إيران تطور أسلحة نووية سراً"، تشير إلى رغبة في عدم دفع إيران إلى حافة بعيدة!

وكذلك هناك إشارات من جانب الاتحاد الأوروبي، سواء بلسان مسؤول سياسته الخارجية جوزيب بوريل، أم آخرين، بأنه "لا يزال من السابق لأوانه الحديث عن نهاية الاتفاق النووي، فلم تُعلن وفاته بعد!".

والمحصلة، أنه إذا نظرنا إلى الزيارة الخاطفة التي أجراها باقري كني للعاصمة القطرية الدوحة، الأربعاء 19 حزيران (يونيو)، والتي اشتملت على محادثات غير مباشرة مع الولايات المتحدة، ندرك أن النظام الإيراني لا ينتظر نتيجة الانتخابات الرئاسية، بل قرر من الآن عدم قطع الاتصال مع الغرب، خصوصاً مع تصاعد التوتر في المنطقة، ورغبة إيران في أن تنحصر أزمة أمن المنطقة في سلوك إسرائيل لا في سلوكها هي!


اقرأ في النهار Premium