للمرة الثانية منذ بدء حرب غزة في 7 تشرين الأول (أكتوبر) من العام الماضي، يزور وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت واشنطن، وسط توتر في العلاقات الأميركية - الإسرائيلية، على خلفية التسجيل المصور الذي وزعه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الثلاثاء الماضي، واتهم فيه إدارة الرئيس جو بايدن بحجب شحنات أسلحة عن إسرائيل في زمن الحرب، مما يعوق تحقيقها "النصر المطلق" على "حماس"، وفي وقت تنذر الجبهة الشمالية مع لبنان بالاشتعال.
بخلاف نتنياهو ووزيريه المتطرفين إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، حافظ غالانت على اتصال وثيق وشبه يومي مع الإدارة الأميركية وتحديداً مع نظيره الأميركي لويد أوستن. وهو يتخذ مواقف أكثر انسجاماً مع ما تطلب به واشنطن، من ضرورة وضع خطة لـ"اليوم التالي" للحرب في غزة.
قبيل سفره إلى واشنطن، نقلت صحيفة "الجيروزاليم بوست" الإسرائيلية عن غالانت، أنه وجه اللوم إلى نتنياهو في قضية شحنة الأسلحة المعلقة (تضم 3500 قنبلة زنة الواحدة 2000 رطل)، لأنه "لم يتعامل بذكاء وهدوء" مع القضية.
وأكد غالانت أن مباحثاته مع المسؤولين الأميركيين ستكون حاسمة بالنسبة لمستقبل الحرب، والانتقال إلى المرحلة الثالثة من العملية العسكرية في غزة، علاوة على التعاون مع واشنطن في ظل القلق الأميركي من تصعيد قد يؤدي إلى حرب إقليمية على مسافة أربعة أشهر من الانتخابات الرئاسية الأميركية.
والمرحلة الثالثة تعني وقف العمليات العسكرية الكبرى والخروج من المناطق المأهولة في رفح، والتركيز على شن عمليات مستهدفة. وهناك تسريبات في وسائل الإعلام الإسرائيلية عن اقتراب الجيش من الإعلان عن تحقيق هدفه بتدمير قدرات "حماس" العسكرية، وهو ما يرى فيه مراقبون مقدمة لسحب كتائب من غزة نحو الجبهة الشمالية.
وجدير بالذكر، أن واشنطن مارست بعيد 7 تشرين الأول ضغوطاً على إسرائيل كي لا توسع الحرب إلى لبنان. وقبل وصول غالانت إلى واشنطن، بثت شبكة "سي أن أن" الأميركية للتلفزيون، تحذيراً لمسؤول أميركي، من أن منظومة "القبة الحديدية" الإسرائيلية المضادة للصواريخ قد تتعرض للإرهاق خلال الضربات الأولى التي قد يشنها "حزب الله"، والتي يقدرها أحد معاهد جامعة ريخمان في إسرائيل، بأنها ربما تشمل إطلاق 3 آلاف صاروخ يومياً على مدى ثلاثة أسابيع، بهدف شل قدرات منظومات الاعتراض الإسرائيلية.
ومع ذلك، أفادت تقارير أن مسؤولين في إدارة بايدن أبلغوا إلى وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر ومستشار الأمن القومي تساهي هانغبي اللذين زارا واشنطن الأسبوع الماضي، أن واشنطن ستقدم مساعدة أمنية في حال نشوب نزاع أوسع.
على أن غالانت سيسعى في الوقت نفسه إلى احتواء التوتر الذي تسبب به فيديو نتنياهو، الذي ينظر إليه مسؤولون أميركيون على أنه تدخل سافر من رئيس الوزراء الإسرائيلي في الانتخابات الأميركية، من طريق السعي إلى تصوير بايدن كعائق يمنع إسرائيل من الانتصار في حروبها.
ولا يخفي المسؤولون أنفسهم مخاوف مما قد يذهب إليه نتنياهو من هجوم على بايدن، عندما سيلقي خطابه أمام جلسة مشتركة لمجلسي النواب والشيوخ بعد شهر.
والقائمون على حملة إعادة انتخاب بايدن لولاية ثانية، يستبد بهم القلق من التأثير الذي قد ينجم عن حملة نتنياهو على بايدن، وفي المقابل تعزيز موقع الرئيس السابق والمرشح الجمهوري المفترض دونالد ترامب، الذي يتقدم أصلاً في استطلاعات الرأي في الولايات المتأرجحة، وعددها ست، والتي تقرر مصير الفائز في الانتخابات التي ستجري في 5 تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل.
وتطغى على زيارة غالانت أيضاً أجواء الانقسام في الداخل الإسرائيلي والاحتجاجات المتصاعدة من المعارضة وعائلات الأسرى التي تطالب بالذهاب فوراً إلى صفقة للتبادل وبتحديد موعد لإجراء انتخابات مبكرة.
وكان غالانت طالب نتنياهو قبل الوزير السابق في مجلس الحرب بيني غانتس، بضرورة صياغة استراتيجية لما بعد الحرب في غزة، لا تقوم على احتلال إسرائيلي دائم للقطاع أو على إدارته مدنياً. وفي وقت سابق من الشهر الجاري، صوت غالانت ضد مشروع قانون بالقراءة الأولى في الكنيست يمدد اعفاء الشبان الحريديم من الخدمة العسكرية. والأسبوع الماضي، وجه رسالة إلى نتنياهو يطالب فيها بتمديد الخدمة الإلزامية بجعلها تمتد لثلاثة أعوام، في ضوء حرب غزة واحتمالات تمدد النزاع إلى لبنان.
وتنم الخلافات في وجهات النظر بين نتنياهو وغالانت عن اهتمام وزير الدفاع بمستقبله السياسي، أكثر من سعيه إلى وضع حد للتوتر بين أميركا ونتنياهو، باعتباره من أقوى المنافسين على زعامة حزب الليكود، في مواجهة رئيس الوزراء الذي يهتم لحاضره، الذي يتأمن فقط من طريق إرضاء بن غفير وسموتريتش، حتى ولو اختلف مع كل الأطراف في الداخل والخارج.