يكتفي المصريون عند الحديث عن تنظيم "الإخوان" الإرهابي بالإشارة إلى "أهل الشر"، ليكون مفهوماً أن الحديث عنهم أو غيرهم من التنظيمات المتأسلمة. فالشعب المصري لا يفرّق كثيراً بين "الإخوان" و"داعش" وما بينهما من جماعات وتنظيمات، فكلها تستخدم الدين لتحقيق أغراض سياسية، وتلجأ إلى الإرهاب إذا فشلت في تحقيق الأغراض السياسية. كذلك، معروفة الدول التي تناصر "الإخوان" وتدعمهم وتُنفق عليهم وتحتضن قادتهم وتموّل منصاتهم وقنواتهم ومواقعهم ولجانهم الإلكترونية.
حتى فريضة الحج لم تسلم من مؤامرات "أهل الشر"، إذ تبنّى تنظيم "الإخوان" أولاً حملة واسعة ضدّ أداء الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الفريضة، ولم يفوّتوا صورة أو مشهداً للسيسي في أثناء تأديته المشاعر من دون التعليق عليها والسخرية منها، ما رسّخ قناعات الناس بأن ذلك التنظيم الإرهابي لا يرتدع حتى في المواقف والمناسبات الدينية، على الرغم من أن "الإخوان" ظلوا منذ تأسيس جماعتهم في عام 1928 يتاجرون بالدين ويخدعون البسطاء بعبارات ومفردات ومشاهد، تزعم حرصهم على الدين ودفاعهم عن الإسلام، ثم اجتمع "أهل الشر" وتحالف "الإخوان" مع تنظيمات موالية لإيران، بهدف الإساءة إلى موسم الحج وتشويه الجهود الكبيرة التي بذلتها الأجهزة والسلطات السعودية لتأمين الأماكن المقدسة والحجاج، وتقديم كافة الخدمات لتسهيل أداء الشعائر.
هكذا صار على المكشوف، وظهر أن المواجهة بين تنظيم "الإخوان" وحلفائه من جماعات وتنظيمات وأذرع إيرانية من جهة، وبين مصر والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة من جهة أخرى، لم يرتعد فيها "أهل الشر" بخطوط حمراء، وأصبحوا لا يفوّتون مناسبة من دون استغلالها للانتقام من الدول التي تمثل حائط الصد ضدّ خطط "المتأسلمين" الذين اجتمعوا في حلف زاخم بالتناقضات وعامر بالأحقاد، خصوصاً أن الضربات التي وجّهتها الدول الثلاث للتنظيم الإخواني الإرهابي ليست مجرد ردّ على جرائم التنظيم على مدى السنوات الماضية فحسب، إنما اتقاءً لشرّه وتأميناً لمجتمعاتها من مخاطره ومؤامراته. وفي الوقت نفسه، تبدو الدول الثلاث حريصةً على ألّا تستخدم المصالحة مع دول أو قوى إقليمية في المنطقة لتمرير المشروع المدمّر لتنظيم "الإخوان" أو التنظيمات الموالية لإيران.
تبنّى "أهل الشر" على مدى سنوات دعوات ساذجة لتدويل الحج. وفي الوقت نفسه، عارضوا إجراءات تنظيم الحج، ثم استغلوا تأثير الطقس وحرارة الجو لادعاء سوء الخدمات المقدّمة للحجاج، واعترضوا على تحديد أعداد الحجاج من دون الإشارة إلى قرار السلطات المصرية وقف تراخيص شركات سياحة تورطت في تسفير أشخاص إلى السعودية للحج بتأشيرات سياحة، وهم أنفسهم الذين "يطرمخون" على تاريخ إيران الحافل بالخروقات ومحاولات استغلال الحج لارتكاب جرائم لا تتناسب مع جلال المناسبة، كما جرى في عام 1986، عندما أحبطت أجهزة الأمن السعودية تهريب أكثر من 50 كيلوغراماً من المواد شديدة الانفجار مع الحجاج الإيرانيين، بغرض تنفيذ هجمات داخل السعودية.
بعدها، وفي العام التالي، أصرّ الحجاج الإيرانيون على مخالفة التعليمات بشأن نظام الحج ونظّموا تظاهرة ضخمة رفعت شعارات سياسية وأثارت الشغب، ثم تحولت إلى اشتباكات مع قوات الأمن السعودية ما أدّى إلى مقتل أكثر من 400 شخص من الحجاج وقوات الأمن؛ وفي عام 1989، عندما وقع انفجاران في محيط الحرم المكي أسفرا عن وفاة شخص وإصابة 16 آخرين. وأثبتت التحقيقات تورط 20 من الحجاج الكويتيين، التابعين لتنظيم "حزب الله" الكويتي المدعوم من إيران، في الهجوم. كما ثبت أيضاً تسلّمهم المواد المتفجرة من طريق دبلوماسيين إيرانيين في سفارة طهران في الكويت.
ولأن عقلية المتطرّفين واحدة، فإن إيران تستخدم حوادث كتلك للمطالبة بتدويل تنظيم الحج، تماماً كما تطالب جماعة "الإخوان" بعد كل حادث إرهابي يقع في مصر بواسطة عناصر الجماعة، المجتمع الدولي بالتدخّل لحماية الشعب المصري! ولم يكن الهدف الإساءة إلى موسم الحج فحسب، لكن أيضاً محاولة الوقيعة بين مصر والسعودية بفبركة فيديوهات لتحقيق ذلك، بعضها جرى كشفه بواسطة مصريين تمرّسوا في فضح "الإخوان" وكشف مؤامراتهم.
ليس سراً أن المنصات التي روّجت للحملة ضدّ السعودية واستهدفت الإساءة لموسم الحج، هي نفسها التي ظلت سنوات عدة تدّعي حصار السيسي لتنظيم "الإخوان" في مصر، وتزعم إغلاق معبر رفح، وتروّج فبركات عن منع مصر دخول المساعدات للفلسطينيين، وتبكي إغلاق الحدود وعدم فتحها للجهاد للذهاب إلى القدس شهداء بالملايين! وهي ذاتها التي شمتت مع كل حادث إرهابي في مصر ضدّ الجيش والشرطة والمواطنين، ولا تتوقف عن العويل من ارتفاع أسعار السلع في الأسواق المصرية وعدم قدرة المواطن على شراء الطماطم (البندورة)!
يسأل مواطن عربي بسيط: "إذا كان ’الإخوان‘ ينتشرون في دول عربية تحكمها أنظمة بعيدة من ’الثقافة الإخوانية‘، فلماذا لا تتصدّى لسلوكهم التخريبي والمسيء لدول عربية أخرى؟"، قد يكون السلوك المؤذي ردّ فعل على سقوط "الإخوان" في مصر وهزيمتهم في تونس وحصارهم في ليبيا ودول عربية أخرى، ما أضاع أحلام دول كانت تُمنّي نفسها وتحلم باللعب مع الكبار والتأثير إقليمياً بدرجة كبيرة لو استمر "الإخوان" في حكم مصر، وانطلقوا منها ليحكموا دولاً أخرى. وكما ضاع الحلم "الإخواني" بانكسار "الربيع العربي"، ضاعت أحلام تلك القوى التي كان لديها أمل بأن تلعب مع الكبار.
القضية لا تتعلق بأزمة بين تنظيم "الإخوان" وتنظيمات موالية لإيران، وبين كل من السعودية ومصر والإمارات وبعض الدول العربية الأخرى، إنما تتعلق بموقف استراتيجي نوعي في مواجهة الإرهاب، تقوده هذه الدول ولن تتراجع عنه، بل تؤكّده كثيراً في رسائل سياسية ومواقف عملية، فيظلّ طبيعياً أن يقع الصدام مع كل محك أو حدث. ولا يبدو أن "الإخوان" وحلفاءهم قرأوا الرسائل جيداً أو فهموا فحواها، لذلك يسير التنظيم الإرهابي في طريق يزيد من أزمته، فالمنصات والقنوات "الإخوانية" حفلت بالهجوم على موسم الحج، وأمسكت معاول التجريح وسكاكين السباب ومدافع الشتائم، ورسخت السخرية من الإعلام "الإخوانجي" ومموليه، وأكّدت القناعات بأن النقاش مع الكائن "الإخواني" غير مجدٍ، لأن عقله تربّى على السمع والطاعة لمرشده أو قائده أو من ينفق عليه، حتى لو كان يأمره بما يخالف الدين والعرف والعقل وآداب وقواعد فريضة الحج.