يتوجّه الناخبون الإيرانيون إلى صناديق الاقتراع غداً لاختيار رئيس للجمهورية خلفاً للرئيس الراحل إبراهيم رئيسي، الذي قضى في تحطم مروحية في أيار (مايو) الماضي.
تجري الانتخابات في ظل ظروف اقتصادية صعبة في الداخل، وظروف إقليمية بالغة التوتر بسبب الحرب الإسرائيلية المتواصلة على غزة، وتصاعد احتمالات تمدد الحرب إلى لبنان، وسط انخراط ناشط لحلفاء طهران في المنطقة على جبهة "الإسناد". ولا يغيب عن جوهر القضايا البرنامج النووي الإيراني والعقوبات الغربية المفروضة على طهران.
الانتخابات الرئاسية يريدها النظام محطة مهمة، في مسار المناخات الإقليمية غير المطمئنة، لا سيما أن الرئيس الإيراني المقبل، يتعين عليه التعامل مع استحقاقات دولية، أبرزها ما يمكن أن تسفر عنه الانتخابات الرئاسية الأميركية من نتائج في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل: هل يبقى الرئيس جو بايدن لولاية ثانية؟ أم يعود الرئيس السابق دونالد ترامب، وما سيترتب على ذلك من استئناف سياسة "الضغوط القصوى" على إيران لكبح برنامجها النووي، وإطلاق يد إسرائيل في غزة ولبنان؟
يقر المرشحون الستة بالصعوبات الاقتصادية، وفق ما جاء في المناظرات الرئاسية التي أجريت بينهم. أما آراؤهم في ما يتعلق بالحريات في الداخل، وفي مقدمها الانقسام حول مسألة الحجاب التي فرضتها الاحتجاجات التي اندلعت قبل عامين، عقب وفاة الشابة الكردية مهسا أمينة في مركز للشرطة بعد توقيفها لاتهامها بمخالفة قواعد ارتداء الحجاب، فإن الأكثر انتقاداً للقواعد المعمول بها كان المرشح الإصلاحي النائب مسعود بزشكيان. ولم تكن آراء المرشحين الستة في ما يتعلق بالسياسة الخارجية لتختلف حول أن العقوبات الأميركية هي السبب الرئيسي في استمرار المعاناة الاقتصادية للإيرانيين. بيد أن لكلا منهم وجهة نظره في السبل الآيلة إلى مواجهة هذا التحدي.
في هذه الظروف الضاغطة داخلياً وإقليمياً، ينصب اهتمام مرشد الجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي على أن تكون نسبة المشاركة في الانتخابات عالية. وهو قال بوضوح الثلثاء: "في كلّ مرّة تكون فيها مشاركة الشعب في الانتخابات ضعيفة، يلومنا أعداء الجمهورية الإسلامية".
وبذلك حوّل خامنئي انتخابات الجمعة إلى استفتاء على شرعية النظام. ويرى جانب كبير من الإصلاحيين الإيرانيين أن الهدف من وراء سماح مجلس صيانة الدستور بترشح بزشكيان، كان دفع هؤلاء إلى رفع نسبة المشاركة في الانتخابات، وتالياً تأكيد شرعية النظام. وللتذكير، رفض مجلس صيانة الدستور في 2021 ترشيح بزشكيان.
الانتخابات التشريعية التي جرت في آذار (مارس) شهدت نسبة إقبال هي الأدنى منذ قيام الجمهورية الإسلامية في عام 1979. وبذلك، تكون أدنى من المشاركة في الانتخابات الرئاسية التي فاز فيها رئيسي في عام 2021 وبلغت 49 في المئة، بسبب عزوف التيار الإصلاحي عن المشاركة في انتخابات كانوا يقولون إنها مقررة سلفاً.
هل وظيفة بزشكيان رفع نسبة التصويت فحسب؟ أم أن الانتخابات مفتوحة على المفاجآت وتغيير في قواعد اللعبة الداخلية؟
أكثر التوقعات تفاؤلاً يشير إلى أن بزشكيان قادر على تجاوز الجولة الأولى، ليواجهه محافظان في الجولة الثانية، إما رئيس مجلس الشورى محمد باقر قاليباف، أو المفاوض النووي السابق سعيد جليلي.
المعضلة التي تواجه بزشكيان هي عدم إجماع التيار الإصلاحي على الوقوف خلفه. وحد ، الرئيس سابقاً محمد خاتمي انبرى من بين زعماء الإصلاحيين إلى الجهر بدعم بزشكيان. كما حظي جرّاح القلب الذي يتحدر من مدينة تبريز عاصمة محافظة أذربيجان الإيرانية بدعم وزير الخارجية سابقاً محمد جواد ظريف، الذي يعتبر مهندس الاتفاق النووي لعام 2015 إبان ولاية الرئيس الإصلاحي سابقاً حسن روحاني. وظريف مستشار الآن في حملة بزشكيان.
ويأخذ قسم كبير من الإصلاحيين على بزشكيان خوض مغامرة الترشح معتبرين أن من شأنها إضفاء شرعية على النظام بعد سنوات من سيطرة المتشددين على معظم مفاصل الدولة. وعلى سبيل المثال، وجهت الناشطة في مجال حقوق الإنسان نرجس محمدي الحائزة جائزة نوبل، نداءً من سجن إيفين لمقاطعة الانتخابات التي وصفتها بـ"الصورية".
ويدعو بزشكيان صراحةً إلى العودة إلى الاتفاق النووي وتحسين العلاقات مع الولايات المتحدة، مقدمة لرفع العقوبات الأميركية الصارمة التي تمعن في هزّ الاستقرار الاقتصادي، ليتدنى سعر الريال الإيراني إلى مستويات قياسية بلغت 600 ألف في مقابل الدولار الأميركي، ما انعكس على القوة الشرائية للمواطنين.
وفي ما بدا أنه خط أحمر أمام بزشيكان الداعي إلى تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة بهدف رفع العقوبات الصارمة، انتقد خامنئي "بعض رجال السياسة" الإيرانيين الذين "يعتقدون أن كلّ طرق التقدّم تمرّ عبر الولايات المتحدة".
وعلى الرغم من أن خامنئي لم يدعم علناً أياً من المرشحين الستة، فإن المرشد الذي يعود إليه القرار الأخير في الشؤون المصيرية، داخلياً وعلى صعيد السياسة الخارجية، يفضل بلا شك رئيساً على قياس المرحلة المقبلة، إقليمياً ودولياً.
بزشكيان يعني الانفتاح على الغرب والتساهل في المواضيع الداخلية المتعلقة بالحريات وفي مقدمها موضوع الحجاب. أما إذا رسى الخيار على قاليباف، القائد السابق في الحرس الثوري، فإن الأرجح مواصلة سياسات رئيسي، في حين أن جليلي يعني تعزيز البرنامج النووي بقوة مع كل النتائج التي يمكن أن تترتب على ذلك.
بين الأسماء الثلاثة لا يوجد رجل دين، أي لن يكون بينهم من ينافس على خلافة خامنئي، على غرار ما كان الوضع مع رئيسي. لكن الرئيس الإيراني الذي يعتبر، بعد المرشد، الرجل الثاني في هرم السلطة، سيكون له رأي في تقرير من يخلف خامنئي.