النهار

الانتخابات الإيرانيّة تنتقل إلى معادلة روسيا والولايات المتّحدة
يوسف بدر
المصدر: النهار العربي
فطنت روسيا للمعادلة التي يدير بها النظام الإيراني انتخابات الرئاسة، فمهمة بزشكيان هي جمع الأصوات الإصلاحية والرمادية التي ابتعدت عن صناديق الاقتراع. فقد قال خامنئي صراحةً صباح الانتخابات، الجمعة 28 حزيران (يونيو) إن "المشاركة الجماهيرية الملحمية وزيادة نسبتها حاجة أكيدة للجمهورية الإسلامية، وإن ديمومتها وتماسكها وكرامتها ومكانتها في العالم رهن بحضور الشعب".
الانتخابات الإيرانيّة تنتقل إلى معادلة روسيا والولايات المتّحدة
نساء ايرانيات في انتظار الادلاء باصواتهن في الدورة الاولى للانتخابات الرئاسية (أ ف ب)
A+   A-
انتقل الماراثون الانتخابي في إيران إلى جولة ثانية، تكون المنافسة فيها بين المرشح الأصولي سعيد جليلي والمرشح الإصلاحي مسعود بزشكيان، ما يعني أن المنافسة دخلت منطقة المواجهة بين الشرق والغرب، أو بالتقريب، دخلت ضمن إطار المعادلة بين روسيا والولايات المتحدة الأميركية. 
 
فبزشكيان يميل إلى تكرار تجربة حكومة حسن روحاني بالتوصل إلى اتفاق مع الغرب، بينما جليلي يميل إلى تكرار تجربة حكومتي محمود أحمدي نجاد وإبراهيم رئيسي بالاستمرار في المفاوضات من أجل المفاوضات وإبعاد العقوبات، أو من أجل اتفاق غير معلن وغير رسمي لا يُلزم إيران بشيء إلا "خطوة في مقابل خطوة".
 
كانت تلك المعادلة حاضرة بوضوح في تصريحات المرشّحين، فبزشكيان على منصة تلفزيونية وفي جواره وزير الخارجية السابق محمد جواد ظريف الذي قاد المفاوضات إلى الاتفاق النووي مع الغرب عام 2015، وأيضاً سفير إيران السابق في روسيا مهدي سنائي، قال: "مُوجِهنا في السياسة الخارجية هو مصلحة الشعب، لا أريد أن أنعزل عن العالم بينما شبابنا يتحسر على حاله أمام شباب الدول الأخرى، فالسياسة الخارجية تنعكس بوضوح على حياة الناس في الداخل... إن العلاقات المتوازنة مع العالم لن تخدم إلا المصالح الوطنية... بالنسبة إلى المفاوضات ليست إذلالاً... لا ينبغي أن تكون علاقتنا متوترة ومُكلِفة مع أميركا". 
 
بتلك التصريحات كشف بزشكيان عن مساعيه لسياسة خارجية أكثر انفتاحاً على الخارج بما يساعده على حل أزمات الداخل، وأنه لن يكتفي بتكرار شعارات "المقاومة" التي لم تساعد إيران في حل أزماتها الداخلية ما دامت العقوبات الغربية باقية.
 
ويبدو أن ذلك التوجه قد أغضب المرشد الأعلى، فإن كانت الانتخابات في جولتها الأولى قد جرت على قاعدة "انتخاب الأصلح"، لكن علي خامنئي خلال كلمته في مناسبة عيد الغدير قال: "مَن يتصور أنه لا يمكن أن يخطو خطوة من دون فضل أميركا ومساعدتها، فلن يتمكن من إدارة الأمور جيداً... الأصلح الواجب انتخابه هو مَن يتبع أسس الثورة الإسلامية ونهجها... اختاروا مَن يؤمن بالدين والشريعة والثورة والنظام".
 
بناءً على ما قاله خامنئي، فإنه يرحب بمجيء جليلي الذي حصل على رسالة الماجستير تحت عنوان "السياسة الخارجية في عهد النبي"، والدكتوراه في موضوع "أسس الفكر السياسي الإسلامي في القرآن". 
 
وهذا لا يعني أن جليلي لا يراهن على الخارج أيضاً، لكنه في جانب روسيا، التي تعني مساندتها التصدي للقوة الإمبريالية الغربية، وهو ما لا يستفز التيار المحافظ والمتشدد لأنه يقدم ذلك في إطار "المقاومة"، فقد قال خلال المناظرة الانتخابية الرابعة: "مشكلتنا أننا ننظر إلى العدد القليل من البلدان التي نختلف معها كثيراً... يجب أن نستغل الخلافات بين روسيا والاتحاد الأوروبي ونوفر لموسكو ما كانت تحتاجه من أوروبا... يجب أن يكون لدينا أكبر قدر من العلاقات مع جيراننا".
 
من الواضح أن جليلي هنا يريد المضي على نهج سياسة الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي، بالاعتماد على الانفتاح مع دول الجوار من أجل دعم سياسة المقايضة وتبادل السلع والترانزيت، تحت شعار "الاقتصاد المقاوم" وسياسة "تخطي العقوبات"، لكنه لا يعلم أن ذلك لم يكن يتم لولا الاتفاق الموقت وغير المعلن مع الولايات المتحدة، وأيضاً في ظل وجود إدارة ديموقراطية في البيت الأبيض!
 
قلق روسي
فطنت روسيا للمعادلة التي يدير بها النظام الإيراني انتخابات الرئاسة، فمهمة بزشكيان هي جمع الأصوات الإصلاحية والرمادية التي ابتعدت عن صناديق الاقتراع. فقد قال خامنئي صراحةً صباح الانتخابات، الجمعة 28 حزيران (يونيو) إن "المشاركة الجماهيرية الملحمية وزيادة نسبتها حاجة أكيدة للجمهورية الإسلامية، وإن ديمومتها وتماسكها وكرامتها ومكانتها في العالم رهن بحضور الشعب".
 
لكن موسكو تقلق من وصول حكومة إصلاحية في طهران، بما يضر بمصالحها ويضعف موقفها أمام القوى الغربية. ولا ننسى أن روسيا تدخلت في المحادثات النووية بين إيران والغرب وعطلتها في آذار (مارس) 2022، وربطت الموافقة على إحياء الاتفاق النووي، بضمان الحفاظ على مصالحها الاقتصادية والتجارية التي تشكلت في ظل العقوبات الغربية مع طهران؛ لأنها تخشى أن تتحرر إيران من عقوباتها بينما تبقى هي تحت وطأة العقوبات الغربية. 
 
فروسيا تريد الاحتفاظ بإيران بوابة خلفية تمكنها من التهرب من العقوبات، في مقابل أن تعمل في مهمة الحارس المراقب على النووي الإيراني لمصلحة أمن الغرب، ولذلك عبرت عن قلقها حينما أعلن مدير الإدارة الآسيوية في خارجيتها ضمير كابولوف، الثلاثاء 11 حزيران (يونيو)، تعليق الاتفاقية الاستراتيجية للتعاون الشامل مع إيران موقتاً، بينما هي حقيقةً كانت رسالة ضغط على طهران، فحواها أن موسكو تستعجل ضمان مصالحها مع إيران قبل أن تأتي حكومة قد تضر بتلك المصالح.
 
ولا تضمن روسيا هذه المرة تكرار ما فعلته من قبل بالتنسيق مع الحرس الثوري الإيراني للإضرار بالاتفاق النووي إبان عهد حكومة حسن روحاني الإصلاحية، كما كشف وزير الخارجية جواد ظريف، بذهاب إيران إلى الحرب في سوريا إلى جانب روسيا. فطهران الآن على أعتاب خطر العودة إلى العقوبات الدولية ولديها قلق من إعلان موت الاتفاق النووي رسمياً، بخاصة بعدما توجهت الترويكا الأوروبية (بريطانيا وفرنسا وألمانيا) برسالة إلى مجلس الأمن ضد إيران.
 
قبل أن يأتي أحدهما!
لم تنتظر موسكو ما ستسفر عنه الانتخابات الرئاسية في إيران بوصول بزشكيان أم جليلي، فذهب المبعوث الخاص للرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس شركة غازبروم أليكس ميلر، إلى طهران الأربعاء 26 حزيران للتوقيع على مذكرة تفاهم لتصدير الغاز الروسي إلى إيران. كما أعلن، في اليوم ذاته، مساعد وزير الخارجية الإيراني للشؤون الاقتصادية مهدي صفري، أن الاتفاق الاستراتيجي الشامل بين إيران وروسيا بات جاهزاً وينتظر لمسات أخيرة قبل توقيعه.
 
والمحصلة، أن موسكو وطهران تدركان حاجة كل طرف إلى الآخر والمصالح المتبادلة من العلاقات المشتركة بينهما، فروسيا التي تمتلك عصا "الفيتو" في مجلس الأمن، تستفيد من وقوف إيران وراء اضطرابات التجارة البحرية عند باب المندب لمصلحة طريق بحر الشمال البحري.
 
وكذلك أيضاً، فإن ممر شمال-جنوب الذي تقاتل إيران من أجل إتمامه، تحتاجه روسيا أيضاً لإيصال تجارتها إلى الجنوب، وهو ما ترجمته صادرات النفط والفحم الروسيين إلى الهند عبر إيران. وأيضاً تكشف تصريحات رئيس مجلس الأعمال الروسي الإيراني ليونيد لوزيتشكو، عن حجم استفادة رجال الأعمال الروس من الشركات الإيرانية في تخطي العقوبات الغربية. 
 
وبالنسبة إلى الرئاسة الإيرانية، تشير تصريحات النائب السابق في البرلمان الإيراني وعضو لجنة الأمن القومي حشمت فلاحت بيشه، إلى مدى استفادة موسكو من فوز شخصية متشددة مثل سعيد جليلي، بما يضمن لها اليأس من إعادة فتح الحديث عن معاهدة مجموعة العمل المالي (FATF) لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، والاحتفاظ بإيران في معسكر المواجهة ضد العقوبات الغربية، لكنها تقلق من بزشكيان الذي يريد التوازن بين الشرق والغرب.
 

اقرأ في النهار Premium