هل تأثرت سمعة الجيش المصري أو قدراته بالحملات التي يشنّها تنظيم "الإخوان" الإرهابي وتستهدف الإساءة إلى القوات المسلحة المصرية، والانتقاص من تاريخها، والسخرية من قادتها، وتشويه كل إنجاز حققته؟ ستجد الإجابة من دون صعوبة في أعداد الراغبين في الالتحاق بكليات ومعاهد الجيش، والبهجة في حفلات تخرّج ضباطه، والتلاحم الشعبي في جنازات شهدائه، وغضب فئات الشعب المصري من كل مسيء للجيش، وأي متطاول على قامته، وفي ردّات فعل "الإخوان" على كل إشادة بالجيش، وأي حديث عن مكانته العالية بين جيوش العالم، ويأس "الإخوان" وحلفائهم من النيل من سمعة المؤسسة العسكرية إلى درجة تجعلهم يسبّون الشعب المصري لتصدّيه لمؤامراتهم وتهكّمه على خطط التنظيم الإرهابي والسخرية من المستوى المزري الذي وصل اليه حال أعداء الجيش... والدولة.
استخدم التنظيم الإرهابي وحلفاؤه من النشطاء والثورجية كل أزمة وأي مشكلة لتصعيد الحملة هذه الأيام، من انقطاع الكهرباء إلى ارتفاع الأسعار، ومن تدفق اللاجئين إلى تردّي أداء بعض المسؤولين. ونشطت الآلة الإعلامية التي تنطلق من دول عدة لتستهدف الجيش المصري. صحيح أن "الإخوان" لم يتوقفوا عن استهداف الجيش، وحملتهم ضدّه قديمة أصلاً، ويتمّ إحياؤها وتصعيدها في المناسبات المؤلمة لكل المتأسلمين وخصوصاً "الإخوان"، وليس هناك أكثر ألماً على "الإخوان" من ذكرى الإطاحة بهم وكشفهم ونزع السلطة منهم. أتاهم الموسم السنوي لمحاولة الثأر من الجيش الذي استجاب لثورة الشعب على حكم محمد مرسي الذي كان ينتظر الأوامر والتوجيهات من بناية تقع على هضبة المقطم حيث مقر مكتب إرشاد التنظيم، عندما منح مرسي مهلة يحقق خلالها مطالب الشعب، وحين لم يستجب جرى تنفيذ الإرادة الشعبية.
إنه الثالث من تموز (يوليو)، في اليوم نفسه من عام 2013. كان تاريخ انتهاء المهلة، وإعلان نهاية حكم التنظيم الإرهابي لمصر والذي استمر سنة، لم يُدقّ في البلاد خلالها مسمار، ولم يُمهّد طريق، ولم يُفتتح مشروع، ولم تشهد البلاد سوى الفوضى والفشل، لينتهي حلم "الإخوان" إلى الأبد، بالانطلاق من مصر إلى دول أخرى، ليحكم التنظيم العالم العربي والإسلامي. لكن الجيش المصري أسقط مشروعاً إقليمياً، اعتقد "الإخوان" أنه سيتحقق، واستثمرت فيه دول رعت الجماعة مليارات الدولارات سعياً وراء أطماع في التوسع والنفوذ يفوق قدراتها، جغرافياً وتاريخياً. بقي الجيش المصري على مدى عقود، منذ ثورة تموز (يوليو) 1952، حائط صدّ ضدّ أطماع الجماعة وعامل إحباط للدول والقوى والجهات التي وضعت أحلامها واستثماراتها في جيوب "الإخوان".
منذ اليوم الأول لأحداث 25 كانون الثاني (يناير) 2011، جرى تنفيذ خطة إضعاف الجيش بوضعه في موقف ردّة الفعل وانتقاده والسخرية منه وتنظيم حملات ضدّ تسليحه على مواقع التواصل الاجتماعي والقنوات الداعمة لـ"الإخوان"، التي كانت تبث من الدوحة وإسطنبول. وحين فشلت الأخبار الكاذبة والمعلومات المفبركة عن الجيش، كانت الخطة البديلة هي الترويج لشعارات تستهدف تحريض الشعب على جيشه بهدف إحراج الضباط وجعلهم يخجلون من انتمائهم إلى جيش بلدهم، والتأثير على الحالة النفسية للجنود، وإفساح المجال أمام "الإخوان" والدول والجهات التي ترعاهم لسلب الحكم دون مقاومة، ثم "أخونة" الدولة المصرية وجعلها مركزاً للانطلاق للسيطرة على الدول المجاورة. أما الناشطون من الليبراليين والثورجية من اليساريين والناصريين ومراهقي النخبة السياسية أصحاب الإقامات في الدول الغربية، فساروا في الركب من دون وعي، أو قل انتقاماً من الجيش الذي لم يفضّلهم على "الإخوان" ولم يمنحهم الوظائف العليا والمواقع القيادية في الدولة، فرفعوا جميعاً شعارات "الإخوان" من دون أن يكونوا إخواناً، ونفّذوا خطط الجماعة التي لو استمرت في حكم مصر لأنهت وجودهم باسم الدين، واعتبرتهم كفاراً ملحدين!
يدرك "الإخوان" أن الجيش هو أكبر حائط صدّ اصطدمت به طموحات التنظيم، وبعد أسابيع سيحلّ موسم حفلات تخريج طلبة الكليات العسكرية في مصر، التي يظهر فيها جلياً التقدير الشعبي للجيش، إذ تُنظّم العروض العسكرية لتخريج الضباط في الفروع المختلفة. وفي الوقت ذاته، فإن مئات الآلاف من الشباب المصريين يسعون إلى الالتحاق بتلك الكليات فور إعلان نتائج امتحانات شهادة الثانوية العامة، ويصبح أمراً طبيعياً أن تتابع بطء إيقاع شبكة الإنترنت، لأن مئات الآلاف من الشبان يتسابقون لتقديم طلبات الالتحاق بالكليات العسكرية عبر الشبكة، ثم في مرحلة لاحقة ترى حشودهم وهم يتوجّهون إلى داخل تلك الكليات ليجروا الفحوصات الطبية والاختبارات البدنية.
في دولة كمصر، ظل جيشها على مدى قرون، وليس عقود، يواجه تحدّيات تتعلق بالحفاظ على الدولة والدفاع عنها وحماية أمنها وشعبها، يصبح الالتحاق بالجيش أمراً يتجاوز مسألة الحصول على وظيفة أو تأمين مستقبل شاب، ويصل في بعض الأوقات، كما هو واقع الحال الآن، إلى حدّ المخاطرة، فضباط وأفراد الجيش معرّضون لخطر دائم، وإذا كان المجندون ملتزمين أداء الخدمة الوطنية العسكرية بحكم القانون، فإن الضباط والأفراد المتطوعين في الجيش المصري سعوا إلى ذلك بأنفسهم وبمحض إرادتهم، واختاروا أن يكونوا في دائرة الخطر.
كل ذلك يفسّر ردات فعل المصريين الغاضبة تجاه محاولات "الإخوان" إسقاط الجيش، ومحاولات الإعلام الموالي للجماعة الإساءة للقوات المسلحة، والمواد التي تعرضها فضائيات الجماعة ونشاط لجانها الإلكترونية على مواقع التواصل الاجتماعي وفيها ما يسيء إلى الجيش، لا تؤدي إلّا إلى مزيد من عزلة "الإخوان" عن المصريين.
ستجد في حملة "الإخوان" كلاماً عن "كحك الجيش" و"سكر القوات المسلحة" و"لبن أطفال العسكر"، وحين تستوجب الظروف حديثاً عن طائرات "رافال" أو حاملة المروحيات "ميسترال" أو الغواصات الألمانية التي أضافها الجيش إلى ترسانته، لن تطالع سوى غضب وتهكُّم عن أسباب "الإنفاق على جيش لا يُحارب". وحين يُستشهد ضباط وجنود جراء إرهاب ينفّذه عناصر من "الإخوان" وحلفائهم، تجد الإعلام "الإخوانجي" يصوّر أفلاماً للنيل من الجيش أو ينصب سرادقات الأفراح وحفلات الشماتة.
في ذكرى سقوط المشروع "الإخواني"، يعيش رموز "الإخوان" خارج مصر، وتتجدّد أحزان الجماعة ويغضب داعموها والسائرون تحت أقدامها، ويرتفع صراخ المنكوبين من رعاة الإرهاب جراء تماسك جيش حوّل حلمهم الكبير إلى كابوس عظيم!