يواجه الحزب الديموقراطي تحدّياً غير مسبوق، ربما منذ عام 1968، عندما عزف الرئيس ليندون جونسون عامذاك عن الترشح لولاية ثانية، ودخل السباق بدلاً منه هوبرت همفري، ضدّ الجمهوري ريتشارد نيكسون الذي فاز بالرئاسة.
حدث ذلك في شيكاغو. ويستعد الديموقراطيون الآن للعودة إلى شيكاغو في منتصف آب (أغسطس)، لعقد المؤتمر العام وسط حالة من الهلع تسيطر على المسؤولين الكبار في الحزب، وعلى المتبرّعين الكبار للحملة الرئاسية، عقب الأداء الكارثي للرئيس جو بايدن أمام الرئيس السابق دونالد ترامب المرشح الجمهوري المفترض، في المناظرة الأولى التي استضافتها شبكة "سي أن أن" الأميركية للتلفزيون في أتلانتا ليلة 27 حزيران (يونيو) الماضي.
في الأيام التي تلت المناظرة، ساد الاعتقاد أن لا مفرّ من البحث عن بديل لبايدن الذي أقرّ بأنه لم يعد شاباً، لكنه تمسّك بمقولة يردّدها منذ ترشحه للولاية الأولى عام 2020، بأنه الديموقراطي الوحيد القادر على إلحاق الهزيمة بترامب. وأكّدت هذا الاتجاه عائلة بايدن التي اجتمعت الأحد لتبحث في ردات الفعل على المناظرة، وعمّا إذا كان على الرئيس التنحّي وإفساح المجال أمام مرشح آخر لخوض الانتخابات. العائلة لامت مستشاري بايدن.
إنها ورطة أوقع بها بايدن الحزب الديموقراطي بإعلانه الترشح لولاية ثانية، وهو الذي اعتقد كثيرون بأنه سيكتفي بولاية واحدة، عندما قال إنه سيكون "جسراً" بين جيلين من الحزب، ليتبين أنه لم يكن يقصد بذلك عدم اتخاذ قرار بالترشح لولاية ثانية.
ويلمس مسؤولون ديموقراطيون أن الحزب في طريقه إلى خسارة البيت الأبيض ومعه مجلس الشيوخ وحكام ولايات، بفضل تشبث بايدن بالمضي في السباق، من دون الأخذ في الاعتبار قدراته التي ظهر عليها في المناظرة، من شرود ذهني وتلعثم وعدم قدرة على استكمال الجمل.
ويدرك جزء من الديموقراطيين أن استبدال بايدن في هذه المرحلة المتأخّرة من السباق الرئاسي، تنطوي على مخاطر كبيرة، وأن البديل ربما لن يكون في إمكانه خلال ما تبقّى من وقت حتى تشرين الثاني (نوفمبر) من مقارعة ترامب. لكن المضي ببايدن مرشحاً يُنذر بهزيمة أكبر. وهذا ما كان يتعيّن على كوادر الحزب التنبّه إليه ليس الآن، وإنما قبل إعلان بايدن في العام الماضي عزمه على الترشح.
لا يرى الناخبون الأميركيون، لا في بايدن ولا في ترامب، أنه المرشح الذي يصبون إليه. إنها الانتخابات الأقل إثارة للحماسة في التاريخ الأميركي الحديث.
ولذلك، اقترح بايدن هذا الموعد المبكر لإجراء المناظرة الأولى منذ بدء العمل بهذا التقليد في عام 1960 بين جون إف. كينيدي وريتشارد نيكسون. وإذا بنتائج المناظرة ترتد سلباً على الرئيس، ليس بسبب ما نطق به ترامب، وجلّه كلام غير مستند إلى حقائق وأدلة، وإنما بسبب الهزال الذي ظهر عليه بايدن نفسه.
أراد بايدن هذه المناظرة ليقول للأميركيين إنه يتمتع بكل القدرات الذهنية والصحية، التي تجعله رئيساً للولايات المتحدة في السنوات الأربع المقبلة، وإذا به يثير زوبعة من الشكوك بشأن هذه القدرات، ويجعل الرعب يستبد بالمتبرعين، الذين من دونهم، لن يكون في مستطاعه البقاء في البيت الأبيض لولاية ثانية.
في تقويم للمناظرة وما قبلها وما بعدها، تخلص مجلة "إيكونوميست" البريطانية إلى أن الحزب الديموقراطي "فيه شيء من الترامبية" بعد إنكاره الواقع بالنسبة إلى بايدن.
بعد خطاب حال الاتحاد في شباط (فبراير) الماضي، امتدح الديموقراطيون ما سمّوه "الحيوية" التي بدا عليها بايدن، لكن في الآونة الأخيرة يتحاشى الرئيس الظهور في مؤتمرات صحافية تتطلّب أسئلة وأجوبة مباشرة.
وكل الأنظار الآن إلى مؤتمر شيكاغو. كيف سيبدو الرئيس وهو يعلن قبوله ترشيح الحزب، وفي انتظار المناظرة الثانية في أيلول (سبتمبر)، وما يمكن أن تنتهي إليه في سباق بدا محسوماً في ليلة السابع والعشرين من حزيران (يونيو).