النهار

فراغان أميركي وفرنسي!
خيرالله خيرالله
المصدر: النهار العربي
تعددت الأسباب والسقوط واحد. أكان ذلك بالنسبة إلى الرئيس الأميركي جو بايدن أو إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
فراغان أميركي وفرنسي!
الرئيسان الفرنسي إيمانويل ماكرون (يمين) والأميركي جو بايدن (أ ف ب)
A+   A-
تعددت الأسباب والسقوط واحد، أكان ذلك بالنسبة إلى الرئيس الأميركي جو بايدن أو إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. سقط رئيسان قبل إكمال كلّ منهما ولايته. ثمة فراغ في أميركا في انتظار الانتخابات الرئاسيّة في الخامس من تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، ودخول رئيس جديد – قديم إلى البيت الأبيض في الشهر الأول من عام 2025. كذلك، ثمة فراغ في فرنسا على الرغم من أن ولاية ماكرون الثانية لن تنتهي قبل نيسان (أبريل) 2027. بات هناك بلدان مهمّان لديهما العضوية الدائمة في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، أحدهما البلد الأهمّ في العالم، في حال ضياع تام. يحدث ذلك في وقت يشهد العالم تعقيدات وتحدّيات لا سابق لها منذ نهاية الحرب الباردة وسقوط جدار برلين في خريف عام 1989.
 
يظلّ السبب الأساسي، من بين أسباب أخرى، لحال الانهيار التي يعاني منها جو بايدن، الذي أصرّ على الترشح للرئاسة مرّة أخرى آملاً في الحصول على ولاية ثانية، تقدّمه في السنّ. كان التدهور الجسدي والذهني واضحاً كلّ الوضوح على الرئيس الأميركي، الذي اعتبر أن الناس العاديين لا يُلاحظون ذلك، بما في ذلك طريقته في المشي أو صعود سلّم. تجاهل ذلك كلّه طوال ما لا يقلّ عن عامين... إلى أن جاء يوم الاستحقاق. كان يوم الاستحقاق يوم المناظرة مع منافسه الرئيس السابق دونالد ترامب الساعي إلى العودة إلى البيت الأبيض عبر الانتخابات الرئاسية المقبلة. لم ينتصر دونالد ترامب على جو بايدن في المناظرة، بل هزم جو بايدن نفسه أمام منافس ذي سجل قضائي حافل.
 
كيف سيمضي الرئيس الأميركي المصرّ على رفض الانسحاب من السباق الرئاسي كمرشح للحزب الديموقراطي الأشهر الأخيرة من ولايته؟ هل لا يزال في العالم من يأخذه على محمل الجدّ، أكان ذلك في روسيا أو الصين أو إيران أو إسرائيل المطلوب ضبطها أميركياً تفادياً لمزيد من الجنون والوحشية في التعاطي مع الفلسطينيين، ومع غزّة تحديداً؟
 
ماذا عن فرنسا، حيث يُحتمل أن يضطر الرئيس ماكرون إلى التعايش مع حكومة يمينية على رأسها جوردان بارديلا، ابن الثمانية وعشرين الذي يحظى بتأييد زعيمة اليمين المتطرّف (التجمّع الوطني) مارين لوبّن؟ أعلنت لوبّن في أعقاب صدور نتائج الجولة الأولى من الانتخابات النيابية الفرنسية الأحد الماضي "نهاية الماكرونيّة السياسيّة". يبدو أنّها محقّة في ذلك. بات اليمين المتطرّف، في ظلّ انهيار "الماكرونيّة السياسيّة"، على قاب قوسين أو أدنى من حكم فرنسا. توجد حاجة إلى معجزة تمنعه من ذلك إثر الجولة الثانية والأخيرة التي تشهد منذ الآن تحالفاً بين اليسار والماكرونيين، تشمل تبادلاً للأصوات بينهما. الحاجة إلى معجزة، في الأيام الفاصلة عن الجولة الثانية، كي يقوم تحالف نيابي يشكّل حاجزاً أمام تشكيل حكومة لليمين المتطرّف برئاسة بارديلا، علماً أن مارين لوبّن تعدّ نفسها للانتخابات الرئاسيّة المتوقعة في ربيع 2027.
 
انتهى عهد إيمانويل ماكرون الذي لم يعرف يوماً ما الذي يريده قبل نحو ثلاث سنوات من نهايته الفعليّة. لا شكّ في أن الرئيس الفرنسي يتحمّل جانباً من مسؤولية صعود اليمين المتطرّف بسبب سياساته العشوائية التي يعبّر عنها لجوؤه إلى سياسيين مبتدئين وهواة لإدارة البلد. لجأ ماكرون إلى سياسيين من نوع رئيس الوزراء الحالي غابي آتال، الذي أتى بصديقه ستيفان سيجورنيه وزيراً للخارجيّة.
 
يبدو العالم في غنى عن رئيس أميركي بليد لا يمتلك أي حيوية من أي نوع، ورئيس فرنسي يذهب إلى التهديد بإرسال قوات إلى أوكرانيا للمشاركة مباشرة في ردّ العدوان الروسي على هذا البلد الأوروبي. يفعل ذلك من دون تنسيق مع الدول الأوروبيّة الأخرى، ومن دون غطاء أميركي، ومن دون وعي لواقع أن فرنسا لا تمتلك الوسائل التي تمكّنها من تنفيذ مثل هذه السياسة.
 
يبدو اليمين المتطرّف في فرنسا في طريقه إلى السلطة، بفضل فشل إيمانويل ماكرون. لم تعد مستبعدة عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض من طريق جو بايدن. من سيستفيد من هذين التطورين اللذين سيعنيان بين ما سيعنيانه استسلاماً أمام عدائية بنيامين نتنياهو تجاه الفلسطينيين، ونوعاً من المهادنة مع فلاديمير بوتين بما يمثله من خطر على أوروبا؟
 
يطرح التطوران الأميركي والفرنسي أسئلة كثيرة لا أجوبة عنها. الأمر الوحيد الأكيد هو أن العالم مقبل على تغييرات كبيرة، خصوصاً أن صعود اليمين المتطرّف في فرنسا غير منعزل عن صعوده في دول أوروبيّة أخرى من جهة، وأن عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض ستعني الكثير على صعيد العلاقات الأوروبية – الأميركيّة. هذه العلاقات التي لا يرى ترامب منها خيراً، كما لا يرى خيراً من حلف شمال الأطلسي (الناتو).
 

اقرأ في النهار Premium