النهار

انتخابات إيران: لا فرق بين بزشكيان وجليلي
علي حمادة
المصدر: النهار العربي
من المستحيل إسقاط أوصاف نابعة من تجارب ديموقراطية غربية على تجربة ثيوقراطية متزمتة
انتخابات إيران: لا فرق بين بزشكيان وجليلي
مناظرة بين المرشحين للرئاسة الإيرانية مسعود بزشكيان وسعيد جليلي. (أ ف ب)
A+   A-

لفتنا مقال للصحافي جورج مالبرونو، في صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية، يحلّل فيه نتائج الانتخابات الإيرانية، وإمكانية أن يفوز مرشح التيار الإصلاحي مسعود بزشكيان بالرئاسة يوم الجمعة المقبل، ويشبهها بتجربة فرنسا مع رئيس ينتمي إلى خط سياسي معين وأكثرية برلمانية معارضة تقع على عاتقها مهمة تشكيل الحكومة، أي الذراع التنفيذية. حصلت هذه التجربة 3 مرات في تاريخ الجمهورية الخامسة التي أسسها الجنرال شارل ديغول في عام 1958. المرتان الأولى والثانية في عهد الرئيس الأسبق فرانسوا ميتران، والثالثة في عهد الرئيس الأسبق جاك شيراك. توقفت عند هذا التشبيه بين نظامين متناقضين، الأول ثيوقراطي يقوم على عقيدة "ولاية الفقيه"، والثاني ديموقراطي هو مزيج من النظامين الرئاسي والبرلماني. طبعاً، التشبيه الذي سيق فيه هذا المقال ربما يهدف إلى تبسيط التجربة الإيرانية للقارئ الفرنسي غير الملم بالفوارق الجوهرية بين نظامين متناقضين إلى أبعد الحدود.

وهذا التشبيه الوارد في إحدى أعرق الصحف الفرنسية يدفعنا إلى الحديث عن احتمال فوز مرشح التيار الإصلاحي مسعود بزشكيان في الدورة الثانية من الانتخابات، بعدما تقدم في الدورة الأولى يوم الجمعة الفائت على منافسه مرشح التيار المحافظ سعيد جليلي، بفارق أربعة أعشار مئوية. كما يدفعنا إلى المسارعة للقول إن التشبيه غير موفق، نظراً إلى خلو النظامين السياسيين الإيراني والفرنسي من أوجه شبه. فالقول إن فوز بزشكيان سينجم عنه نظام مساكنة على مستوى السلطة لا يصحّ في وجود "الولي الفقيه" المعتبر وفق عقيدة النظام أنه "ظلّ الله على الأرض" وأنه معصوم، طاعته واجبة وعصيانه مبرر للقتل. ولا بد من التذكير بأن الترشيحات للرئاسة عبرت مصفاة مجلس صيانة الدستور الذي يأتمر بأوامر المرشد علي خامنئي، واستبعدت وأبقت من اختارت من السباق الرئاسي، بحيث أن جميع المرشحين، أكانوا من التيار المحافظ أم الإصلاحي، يخضعون لسقوف النظام. حتى أن بزشكيان سبق أن صرح بأن "الولي الفقيه" خط أحمر بالنسبة إليه.

بهذا المعنى، يمكن تفسير ضعف الإقبال (39.9 في المئة) على صناديق الاقتراع في الدورة الأولى، والاحتمال الكبير في أن يبقى الإقبال ضعيفاً في الدورة الثانية المقررة بعد يومين. فمع الوقت، وبعد تجارب مرة مع التيار الإصلاحي في رئاسة الجمهورية، من الرئيس محمد خاتمي إلى الرئيس حسن روحاني، أدرك المواطن الإيراني أن الفوارق بين التيارين ليست جوهرية، بل طفيفة، وأن أزمة النظام التي برزت أكثر ما برزت إبان الاحتجاجات التي انفجرت على إثر مقتل الشابة مهسا أميني في 16 أيلول (سبتمبر) 2022، جعلت من المفاضلة بين التيارين مطلباً ثانوياً، خصوصاً أن النظام يلعب لعبة الديموقراطية من داخله، ويجرّم كل توجه سياسي أو عقائدي من خارج إطار "الثورة الإسلامية". وأظهرت تجربة عهد الرئيس حسن روحاني مدى ضيق الهوامش التي يمتلكها التيار الإصلاحي في معادلة السلطة، حيث الأمن والعسكر والسياسة الخارجية والتأهيل السياسي والوظيفي داخل أجهزة الدولة تمر كلها عبر المرشد والأجهزة والمجالس التي تأتمر به حصراً.

انطلاقاً مما تقدم، من المستحيل إسقاط أوصاف نابعة من تجارب ديموقراطية غربية على تجربة ثيوقراطية متزمتة، تقوم على عبادة شخص المرشد الأعلى المعصوم الذي تعتبر كلمته مقدسة لا تناقش. أما مرشح التيار الإصلاحي، فلن يقدم ولن يؤخر، تماماً كما حصل مع الرئيس حسن روحاني الذي لطالما عدّ نفسه ابناً باراً للنظام والثورة. لكن، ثمة شريحة واسعة في المجتمع الإيراني تبقى خارج النظام، وتنتظر التغيير العميق الذي قد يأتي بفعل عملية تراكم على حين غرّة.
 
 

اقرأ في النهار Premium