النهار

رئيس الأمر الواقع... باراك أوباما حريص جداً على البرنامج النووي في إيران
راغدة درغام
المصدر: النهار العربي
كان مرعباً مشهد التبعثر في صفوف الديموقراطيين في أعقاب اكتشاف ضعف مرشحهم الرئيس جو بايدن للرئاسة أثناء المناظرة مع سلفه الرئيس دونالد ترامب.
رئيس الأمر الواقع... باراك أوباما حريص جداً على البرنامج النووي في إيران
باراك اوباما وزوجته
A+   A-
 
كان مرعباً مشهد التبعثر في صفوف الديموقراطيين في أعقاب اكتشاف ضعف مرشحهم الرئيس جو بايدن للرئاسة أثناء المناظرة مع سلفه الرئيس دونالد ترامب. عدم وجود خطة باء في ظروف تقدّم بايدن بالسن وتراجع قدراته الجسدية والعقلية أمر مثير للارتباك، بل للشكوك. أيجوز ألّا تكون هناك خطة باء؟ أم أن هناك خطة مدبّرة بالغة السرية تعرف بها دائرة مصغّرة من بضعة أفراد يقودها الرئيس الديموقراطي الأسبق باراك أوباما، الذي بات يُعتبر عرّاب الحكم الديموقراطي في أميركا؟. فماذا قد يريد أوباما اليوم لجهة العلاقات مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، حيث صداقاته عميقة على الصعيد الشخصي وكذلك الاستراتيجي؟ وبمن يا ترى يفكّر باراك أوباما مرشحاً بديلاً إذا ما قرّر أن الوقت حان للكفّ عن الدفع بجو بايدن الى عدم التنحّي عن الترشيح للرئاسة مهما كان؟
 
باراك حسين أوباما ظاهرة، ودونالد جان ترامب ظاهرة من قطب آخر. أوباما كالإيرانيين عريق في فن شق الوريد بالقطن وتصفية دمائه. ترامب الشعبوي يحمل أفكاره على لسانه السليط ويتباهى بثقل الدعم الشعبوي له بكل عجرفة.
 
المعركة الرئاسية كانت دوماً بين ترامب وأوباما. حتى أن فوز جوزيف روبينت بايدن جونيور بالرئاسة في انتخابات 2020 كان إنجازاً لباراك حسين أوباما نفسه، الذي نجح في تنصيب نائب رئيسه رئيساً. أوباما حكم أميركا من عام 2009 الى 2017 ولا يحق له بولاية ثالثة في البيت الأبيض. هذا من حيث القانون والمبدأ. ولكن!!
 
لكن القوانين الأميركية مليئة بما يسمّى "لوب هولز" أي ثغرات تجيز الاستثناءات تحت ظروف لا سابقة لها أو اضطرارية. ولذلك نسمع هذه الأيام أن باراك حسين أوباما يبحث عن ثغرة تجعل منه المرشح الديموقراطي للرئاسة في وجه المرشح الجمهوري المفترض دونالد ترامب. قد تكون هذه فكرة جهنمية، وقد تكون مزحة للتمويه والتغطية على ما يحيكه حقاً الرئيس الديموقراطي الفعلي عشية مؤتمر الحزب الديموقراطي الذي يتمّ خلاله الترشيح الرسمي للرئاسة، ويُعقد في 19 آب (أغسطس). أين؟ نعم، في شيكاغو عرين الأسد لباراك حسين أوباما.
 
سمعنا بالطبع منذ أشهر أن ميشالا أوباما زوجة الرئيس الأسبق المتهمة بأنها تكره الولايات المتحدة الأميركية وأنها مقتنعة بأنها هي التي صنعت باراك رئيساً- وان لم يكن الرجل "باراكاً" لكان "ميشالاً". فهي بالغة الثقة بنفسها، وهي تفهم لغة السيف لقطع الرؤوس بابتسامة. سمعنا أن ميشال لافان روبنسون أوباما، في رأي كثيرين من صنّاع القرار داخل الحزب الديموقراطي، هي المرشح الوحيد القادر على الحل مكان جو بايدن والفوز على دونالد ترامب.
 
أين نحن اليوم من هذا الكلام في أعقاب المناظرة التي أدهشت الديموقراطيين؟ الجواب هو أن هذا ما يُبحث وراء الأبواب المغلقة في الغرف السياسية الأميركية التي يجتمع فيها أركان الحكم في أميركا- أي ما يُعرف بالدولة العميقة.
 
والحديث عن الدولة العميقة معقّد وطويل، مليء بالألغام والأسرار والمصالح الشخصية والسياسية، النظيف منها والمقرف بوساخته. إنما هناك دوماً مقومات الدولة العظمى الوحيدة في العالم من نواحيها الاستراتيجية والتكتيكية. فمن يحكم في أميركا ليس وحده الجالس في المكتب البيضاوي في البيت الأبيض.
 
 
كامالا ديفي هاريس، نائبة الرئيس جو بايدن منذ 2021 هي أول امرأة في هذا المنصب، أصولها أفريقية- أميركية وآسيوية- أميركية، وهي معروفة للسنوات الثلاث والنصف الماضية بأنها النائبة "كاسبر" أي النائبة الشبح اللطيف الذي لا صديق له في دائرة بايدن المغلقة التي استبعدت هاريس عمداً. بعض هؤلاء استهزأ بها علناً باعتبارها محدودة بطبيعتها، غير مؤهلة للنمو، غير قادرة على الاستيعاب، جاهلة في السياسة العالمية، وليس في كيانها كله عصب القيادة.
 
إنما هناك، من ناحية أخرى، من يتهم فريق بايدن من الرجال الأقوياء المقرّبين من باراك أوباما، بأنهم تعمّدوا استبعاد هاريس عن طاولة صنع القرار، وتعمّدوا عدم إحاطتها بخبراء من مختلف المجالات السياسية والاقتصادية المحلية والدولية لتدريبها وتجهيزها. التهمة ضدّهم هي أنهم هم مَن جعل منها "كاسبر"، بل هم من حوّلوا سمعتها نحو الغباء. هم الذين أرادوا الاكتفاء بها صورة ورقية بلقب نائب الرئيس. لكنها اكتسبت لدى البعض سمعة "النسخة النسائية" لأوباما على كل حال.
 
بغض النظر عن صحة هذا أو ذاك، كامالا هاريس كانت حتى قبيل المناظرة المرشح المفترض لمنصب نائب الرئيس جو بايدن. ثم أتت المفاجأة.
 
فالديموقراطيون اليوم يرددون اسم كامالا هاريس بديلاً للرئيس جو بايدن إذا تنحّى، وليس هناك حتى الآن ما يفيد بأن باراك أوباما يحبذ أو لا يحبذ كامالا هاريس. فكل ما يريده الرجل هو أن يبقى الرئيس الفعلي حتى وهو يسكن خارج البيت الأبيض- وهاريس ملائمة في هذا الإطار.
 
الدائرة الضيّقة المحيطة بالرئيس بايدن من الأصدقاء والأقارب، تشمل في طليعتها باراك وميشال أوباما. عائلته منخرطة في حياته السياسية وهي حتى الآن لا تريد له التنحّي وفي طليعتها زوجته جيل بايدن، شقيقته فاليري بايدن التي تدير حملاته السياسية، وابنه هانتر بايدن. بقية الفريق ورثهم الرئيس بايدن من الرئيس أوباما مثل انيتا دن، ستيف ريتشيتي، مايك دونيلون، جيف زاينتس، رون كلاين، تيد كوفمان. هذا بحسب "وول ستريت جورنال". أما الفريق السياسي ففي طليعته وزير الخارجية أنطوني بلينكن المقرّب جداً من باراك أوباما.
 
الدعم الشعبي لكامالا هاريس ازداد بصورة ملحوظة كبديل إذا تنحّى بايدن، إنما هناك أيضاً حاكمة ولاية ميتشيغن غريتشن ويتمر، وحاكم كاليفورنيا غيفن نيوسوم، ووزير النقل بيت بتيغيغ، وحاكم بنسلفانيا جاش شابيرو، وحاكم ايلينوي ج ب بريتزكر، وكثيرون غيرهم.
 
التبعثر في صفوف الديموقراطيين، إذا استمر، سيكون لمصلحة الجمهوريين. الانصباب الشعبي الأميركي سيكون على الأمور الداخلية التي تعني انشغالاتهم المعيشية. لكن السياسة الخارجية  أقحمت نفسها على معطيات الانتخابات الرئاسية الأميركية وفي طليعتها الحرب الأوكرانية وحرب غزة وإمكانية حرب لبنان.
 
المرعب هو أن الحديث عن السلاح النووي في يومنا هذا لم يعد مرعباً. فإذا قام الرئيس الروسي بعمليات نووية تكتيكية ضدّ أوكرانيا، ستطلع الصرخة ويتفاقم الغضب، إنما لن يدبّ الهلع في قلوب ملايين العالم. أما إذا استخدم الرئيس الروسي السلاح النووي التكتيكي ضدّ مواقع في عقر دار الدول الأوروبية الأعضاء في حلف شمال الأطلسي (ناتو) عندئذ سيكون ذلك التطور مشروع حربٍ نووية مرعبة، قد تتحول من تكتيكية الى حرب نووية استراتيجية. هذا موضوع قد يقحم نفسه على الانتخابات الرئاسية الأميركية.
 
هذا الأسبوع ازداد الكلام عن تغييرٍ في العقيدة النووية الإيرانية على لسان مسؤولين إيرانيين أرادوا أن يمتحنوا مدى الخطر الجدّي الآتي إذا ما اندلعت الحرب الكبرى بين إسرائيل و"حزب الله" في لبنان. رجال طهران لا يهمّهم أن تدمِّر إسرائيل كامل البنية التحتية اللبنانية. ما يهمّهم هو "حزب الله" والصواريخ والمعدات النووية التي يخزّنها في لبنان لمصلحة إيران. وحتى هذا الأمر الفائق الأهمية هو في المرتبة الثانية للأولوية الإيرانية وهي: ألاّ تطال الحرب الإسرائيلية ضدّ "حزب الله" المنشآت والمفاعل النووية داخل إيران.
 
إدارة الرئيس بايدن أنقذت البرنامج النووي الإيراني قبل شهرين عندما وقعت المواجهة الأولى والوحيدة بين إيران وإسرائيل مباشرة. في ذلك الوقت أنذر فريق بايدن إسرائيل بأنها ستكون بمفردها وبلا معونة أميركية لو غامرت بتوجيه ضربة ضدّ المنشآت النووية الإيرانية.
 
هذه العقيدة هي عقيدة أوباما التي استمر بها بايدن وفحواها: ممنوع على إسرائيل ضرب المنشآت النووية الإيرانية. لماذا؟ هناك نظريات تتحدّث عن تواطؤ استراتيجي، وهناك من يقول إن نظرية أوباما- بايدن هي أن ضرب المفاعل النووي الإيراني سيزيد طهران تعنتاً وإصراراً على امتلاك السلاح النووي.
 
واقع الأمر هو أن إسرائيل تمتلك السلاح النووي. صحيح أنها لم تختبره تحت الأرض، لكنها طوّرت قدراتها العلمية لدرجة الاختبار الالكتروني. فالنظام الذي أتى إلى الحكم في طهران عام 1979 نظام ثيوقراطي جمع بين رجال الدين والملالي وبين رجال الحرس الثوري، لإخضاع الشعب الإيراني وإرجاعه أربعة عقود الى الوراء من أجل تحويل إيران الى دولة نووية أولاً. وثانياً، من أجل استخدام ميليشيات اقليمية للهيمنة والسيطرة على أربع دول عربية هي لبنان والعراق وسوريا واليمن.
 
فكل ذلك الكلام واللغة غير الصادقة التي ينطق بها قادة الحزب الديموقراطي حول التعهد بعدم السماح لإيران بأن تصبح دولة نووية إنما هو كلام ادعاء ومواربة. هناك صفقة ما بين رجال طهران ورجال الحزب الديموقراطي، أساسها عدم سماح الأميركيين لإسرائيل بضرب البرنامج النووي الإيراني وعدم المعارضة الجدّية من قبل الديموقراطيين لسياسة الأذرع الإيرانية وميليشياتها من "حزب الله" الى "حماس" الى "الحشد الشعبي" الى "الحوثي" في اليمن.
 
حدث تغيير لا يمكن تجاهله خلال السنتين الماضيتين، ومنذ أن قامت الصين برعاية مصالحة سعودية- إيرانية، إذ تحرك فريق بايدن باتجاه إصلاح العلاقة مع السعودية والدول الخليجية العربية الأخرى. تقليدياً وتاريخياً، هناك كراهية تلقائية من جهة الديموقراطيين نحو الدول الخليجية العربية، بالذات السعودية. هذا تحسّن كثيراً في السنة الماضية. لكن ما قد تأتي به مفاجآت الديموقراطيين أثناء الحملات الرئاسية لا يمكن أخذه بضمان.
 
إذا نجحت مبادرة بايدن لوقف النار في غزة وإيقاف اندلاع حرب موسعة بين إسرائيل و"حزب الله"، سيستفيد بايدن أو مَن سيخلفه من مثل هذا الإنجاز. أما إذا فشلت مبادرته، فلتتهيّأ منطقة الشرق الأوسط الى جديد نوعي في الحروب بمختلف محطاتها وقواعد اشتباكاتها.
 
ولأن رجال طهران يريدون النجاح لرجال الحزب الديموقراطي، قد يلجمون ميليشياتهم موقتاً ومرحلياً الى ما بعد الانتخابات. ثم ان انشغال رجال طهران بمعاركهم الداخلية وخوفهم على برنامجهم النووي وما خبأوه من مواد ومعدات مهمّة للبرنامج في إيران أو في لبنان، قد يؤدّي بهم الى القليل من التريّث حتى إشعار آخر.

اقرأ في النهار Premium