كانت المناظرة الرئاسية الأخيرة بين دونالد ترامب وجو بايدن سيركاً من الفظائع باسم الديموقراطية بين رئيس كان هزيلاً وشبه غائب عن السمع، في مواجهة مرشح متنمّر يقول أموراً غير دقيقة، كي لا نقول كاذبة. هذه المناظرة كانت كافية لتحويل الرأي العام الأميركي إلى مشكّك في قدرات الرئيس الحالي الذهنية على الترشح لولاية ثانية، على مسافة أربعة أشهر من الاقتراع الانتخابي. هناك نواة مجموعة ديموقراطية من داخل مجلس الشيوخ يقودها السيناتور مارك وارنر، تجتمع في هذا الأسبوع لبحث إمكانية الضغط على بايدن للانسحاب من السباق الرئاسي.
المقابلة الأخيرة للرئيس على قناة "آي بي سي" لم تغيّر هذا المسار الانحداري، حيث رفض بايدن الخروج من السباق وإجراء اختبار معرفي أو فحص طبي مستقل. سعت حملة بايدن منذ نهاية العام الماضي إلى تركيز الأنظار على استقرار الاقتصاد الأميركي كنقطة قوة في الحملة الانتخابية، لكن تغطية الإعلام الأميركي انتقلت تدريجياً من يوميات حرب غزة إلى محاكمات ترامب، ليعود بايدن ويتصدّر العناوين الآن، لكن للأسباب الخطأ.
الأيام الاخيرة كانت جيدة لحملة ترامب في ظل تخبّط حملة بايدن وقرار المحكمة الدستورية العليا التي أعطت ترامب حصانة للأفعال التي ارتكبها خلال ولايته الرئاسية. بايدن يتراجع في استطلاعات الرأي إلى أسوأ نقاط في العام الحالي، وهناك هاجس ديموقراطي لم يتحوّل بعد إلى إجماع بأن بايدن قد لا يخسر انتخابات الرئاسة فحسب، بل قد يؤثر سلباً على مرشحي انتخابات الكونغرس من الحزب الديموقراطي. يعود الكونغرس إلى العمل هذا الأسبوع ويتوقع أن يكون هناك المزيد من الانشقاقات من الحزب الديموقراطي عن البيت الأبيض، لا سيما أن مقابلة بايدن التلفزيونية المنتظرة لم توقف الأسئلة والتشكيك في قدراته على الاستمرار في المعركة الرئاسية.
هناك سوابق في اتخاذ رؤساء قراراً بعدم الترشح لولاية ثانية. الرئيس ليندون جونسون، الذي كان نائب جون كينيدي واستلم الرئاسة مكانه بعد اغتيال الأخير، فاز في ولايته الرئاسية الأولى ثم قرّر الانسحاب من السباق الرئاسي خلال الحملة الثانية، لكنه اتخذ هذه الخطوة طواعية خلال كلمة متلفزة في 31 آذار (مارس) 1968، أي في وقت مبكر من الحملة الرئاسية.
لكن هذه المحاولات لإجبار بايدن على الانسحاب من الحملة الرئاسية مسألة بالغة التعقيد، لأنها ليست طوعية وتأتي في وقت متأخّر. أولاً، هناك مؤتمر الحزب الديموقراطي المتوقع في 19 آب (أغسطس) المقبل للتصديق على فوز بايدن في الانتخابات التمهيدية للحزب الديموقراطي، ومن المقرّر تقريب موعد تصويت المندوبين وتنظيمه بشكل افتراضي ليصبح بايدن المرشح الرسمي للحزب في أسرع وقت ممكن، وليكون على لوائح الاقتراع في ولاية أوهايو المحورية قبل الموعد النهائي في 7 آب (أغسطس). المندوب المنتخب الذي يحضر المؤتمر الوطني يتعهّد مسبقاً لمرشح رئاسي يعكس تصويت أولئك الذين انتخبوهم، أي سيكون من الصعب إقناع هؤلاء المندوبين بتجيير أصواتهم من بايدن إلى مرشح آخر. إذاً، الطريق الوحيد هو إعلان بايدن انسحابه. وفي هذه الحال، لن تكون نائبته كامالا هاريس المرشحة الوحيدة بشكل تلقائي، بل سيحاول المرشحون استمالة مندوبي بايدن للتصويت لهم خلال عملية التصويت الافتراضي. الوقت ليس مثالياً لفعل كل ذلك قبل شهر من المؤتمر الحزبي، لا سيما أن هناك مهلاً للولايات لوضع مرشحي الرئاسة على لوائح اقتراعهم، وأي مرشح بديل لبايدن يحتاج إلى وقتٍ كافٍ لفعل ذلك كله.
لا يزال بايدن في حالة تحدّ أو ما يسمّيه بعض الديموقراطيين حالة إنكار. في خطاب تحدّ خلال مهرجان انتخابي في ويسكونسن، قال بايدن إنه لن ينسحب من السباق الرئاسي إلاّ "إذا نزل الربّ عزّ وجلّ، وقال يا جو اخرج من السباق، فسوف أخرج من السباق. الرب القدير لن ينزل". الديموقراطيون في أزمة كهولة عليهم معالجتها، لأن أياً من السيناريوهات المطروحة ليست جيدة لهم. إذا ظل بايدن في السباق الرئاسي، فستلاحقه هذه القضية حتى يوم الاقتراع، وستؤثر في أدائه الانتخابي. وفي حال انسحب سيكون هناك ارتباك ديموقراطي في محاولة سدّ الفراغ في أسرع وقت ممكن مع مرشح قد لا يكون له أو لها الشعبية الكافية على المستوى الوطني للفوز بالانتخابات.
أما ترامب فيستمع حتى الآن إلى مستشاريه، ويستمر في انضباط ذاتي لم تشهده حملته الرئاسية السابقة، إذ لم يتنمّر على بايدن بعد، ولم يسخر منه بطريقة فظة قد ترتد عليه سلبياً في صناديق الاقتراع. السؤال إذاً، هل سيظل ترامب في هذا الانضباط فترة طويلة أم سيقول شيئاً ما، أم تخرج فضيحة ما له تصرف الأنظار وتعطي حملة بايدن فرصة لالتقاط الأنفاس. لا مؤشرات حتى الآن إلى أن هناك رغبة لبايدن بالانسحاب، ومحاولة إجباره على الانسحاب شبه مستحيلة. قد نكون أمام صيف معقّد ينتظر الحزب الديموقراطي، والناخب الأميركي أمام خيار صعب بين مرشحين في الثمانينات أو على مشارفها: الأول مشكّك في قدراته الذهنية، والثاني مدان بجرائم مدنية.