المعضلات في مصر كثيرة والأزمات متفاقمة والتغيير الوزاري كان ضرورياً، لكن المؤكّد أن الحكومة المصرية الجديدة التي تشكّلت أخيراً برئاسة الدكتور مصطفى مدبولي، ستواجه تحدّيات ضخمة لإرضاء الناس وتحقيق مطالبهم في تخفيف المعاناة عنهم، وانتشال مصر من الأزمات والمعضلات التي تعانيها. فالمطلوب من حكومة مدبولي أن تضيء للناس أنواراً في نهاية النفق الذي يعتقدون أنهم يسيرون فيه منذ سنوات، وأن تخفف الأحمال عن المواطنين، وليس زيادتها بتخفيف الأحمال عن منظومة الكهرباء بقطعها وتعذيب الناس أو تصدير الأزمات والمشاكل لهم وحلها بأساليب علمية خالية من الأبعاد المصالحية أو التصورات الخيالية غير قابلة التحقيق.
تجدر الإشارة هنا إلى أن أعضاء الكتلة الشعبية الداعمة للرئيس عبد الفتاح السيسي كانوا الأكثر ترحيباً برحيل حكومة مدبولي السابقة، وبينهم من كان يأمل في أن يترأس الحكومة الجديدة شخص آخر. لكن، بغض النظر عن الأسماء التي تضمنتها تشكيلة الحكومة الجديدة، فإن مصر لم تكن تحتاج إلى تغيير في الأسماء فحسب، إنما الأهم تغيير في السياسات والرؤى وأساليب الإدارة وإعمال القانون، بحيث يطبّق على الجميع من دون استثناء، وكذلك إلغاء مواد في القوانين ساهمت في تقنين الفساد وحولته إلى أسلوب حياة، إضافة بالطبع إلى تطوير الأداء الاقتصادي، ووضع حدّ لسباق أسعار السلع الأساسية وغير الأساسية أيضاً، والقضاء على معضلات سببّت معاناة كبيرة للمواطنين كانقطاع الكهرباء.
يتحدثون في مصر عن الطبقة الوسطى التي صارت على مشارف التحول إلى طبقة من الفقراء، ودفعت ثمن المضي في برنامج الإصلاح الاقتصادي، على الرغم من أنها الطبقة التي لا تتمتع ببرامج الحماية الاجتماعية ولا تضغط على الدولة وموازنتها، إذ تعلّم أبناءها في مدارس خاصة، كما تتلقّى العلاج في مستشفيات غير حكومية، ولا تلجأ في العادة لاختراق أو مخالفة القوانين لتحقيق التعايش مع المجتمع، فلا تبني مساكن عشوائية، ولا تشغل الطرق والشوارع بمشاريع طفيلية، لكنها تتحمّل وطأة ارتفاع الأسعار، ما جعلها تخفّض من طموحاتها، وتقلّل من احتياجاتها، وتمنع عن أبنائها مظاهر الرفاهية التي تعودوا عليها، وصارت جزءاً من أساليب معيشتها.
مبررات رفع الأسعار معروفة، والظروف الدولية والإقليمية التي ضغطت على الموازنة أمور يدركها المواطن البسيط الذي يتابع الآن باهتمام مشاريع عملاقة يجري تنفيذها، وتطويراً كبيراً للطرق وحلولاً ذكية لمشكلات الإسكان. لكن الأداء الحكومي، بحسب المواطن نفسه، يحتاج إلى ترتيب آخر للأولويات وإعادة نظر وخطط بديلة وتفكير خارج الصندوق، وتجاوز مؤامرات "الإخوان" وحملاتهم المستمرة. فليس منتظراً من "الإخوان" أو حلفائهم أن يشيدوا بحكومة جديدة في مصر، أو أن يعرضوا لمزايا أي مشروع جديد، أو أن يبتهجوا لميزة تحققت للشعب المصري في عهد السيسي. فـ"الإخوان"، على الرغم من الحالة التي صاروا فيها، يصدقون أن تنظيمهم سيعود إلى الحكم قريباً، وأن "الانقلاب" يترنح وأن الشعب معهم!
لكن أكثر ما يثير غضب الجماعة ويقلقها ويعصف بآمالها في العودة إلى المشهد السياسي، وجود شخصيات في الحكم تسعى إلى الصدام معها من دون خوف أو رهبة. لذلك، تركّز الجماعة وأحباؤها على الاغتيال المعنوي لكل من يظهر جسارته في مواجهتها.
أما اهتمام المصريين بالسِير الذاتية لأعضاء الحكومة الجديدة فسببه خشيتهم من الوقوع في أخطاء قديمة، واتباع سياسات أفضت إلى معضلات وأزمات زادت من وطأة ضغوط الحياة على الناس، وكذلك لأنهم ما زالوا يحتفظون بوعود أُطلقت سابقاً بوضع حدّ للغلاء، وطموحات قديمة رُوّجت رفعت من مستوى توقعاتهم. ويعتقدون أن استمرار السياسات التي سار عليها وزراء حكومة مدبولي السابقة لا يبشر بتحقيقها، لذلك اجتهدوا في البحث عن خبرات سابقة للوزراء الجدد، وشهادات تخرّجهم من الجامعات، ودرجاتهم العلمية، ليحتفوا بالأمل في أن يكون التغيير الحكومي عاكساً لمرحلة جديدة تنهي معاناتهم. فطبيعي أن يغضب الناس في مصر كلما أقدمت الحكومة على رفع أسعار سلعة أو مقابل خدمة، وأن ينزعجوا من تردي مستوى التعليم، وأن يجتهدوا في طرح بدائل يعتقدون أن تطبيقها يخفف الضغوط عليهم، ولا يضع أعباء في كل فترة على فئة من المواطنين. فالناس في مصر يعانون أوضاعاً اقتصادية صعبة ومعضلات حياتية متكرّرة، لكنهم يحتفظون بالأمل في نهاية للمعاناة، ورؤية النور في نهاية النفق الطويل... المظلم.