النهار

"محمد السادس... ربع قرن التنمية" كتاب جماعي جديد يبرز طفرة الداخل وتقدير العالم
المصدر: النهار العربي
بالتزامن مع الاحتفال باليوبيل الفضي لتولي الملك محمد السادس مقاليد الحكم في المملكة المغربية ، يأتي كتاب "محمد السادس .. ربع قرن من التنمية"، الذي أصدره أخيرا، "مركز أوميغا للأبحاث الاقتصادية والجيو سياسية"، بالدار البيضاء، ليسلط الضوء على التطور الذي شهده المغرب على مدى ربع قرن، في مختلف مجالات التنمية.
"محمد السادس... ربع قرن التنمية" كتاب جماعي جديد يبرز طفرة الداخل وتقدير العالم
كتاب "محمد السادس... ربع قرن من التنمية".
A+   A-
الرباط- كريم السعدي
 
بالتزامن مع الاحتفال باليوبيل الفضي لتولي الملك محمد السادس مقاليد الحكم في المملكة المغربية ، يأتي كتاب "محمد السادس... ربع قرن من التنمية"، الذي أصدره أخيرا، "مركز أوميغا للأبحاث الاقتصادية والجيو سياسية"، بالدار البيضاء، ليسلط الضوء على التطور الذي شهده المغرب على مدى ربع قرن، في مختلف مجالات التنمية.
 
بالنسبة للمركز، فالمؤلف يبقى ثمرة عمل جماعي لبعض أعضائه، وهم رئيسه سمير شوقي، وزهير لخيار، وأحمد حفناوي، وياسين حسناوي، وعبد المنعم أمشراع ، وضحى أمين، مع تشديده على أنه لم يتطرق لمجموع المناحي التي عاشتها المملكة خلال الربع قرن الأخير، بل ركز على ما هو اجتماعي واقتصادي وجيو سياسي، مع استحضار شق التنمية المستدامة والتركيز على ورش الانتقال الطاقي.
 
جاء الكتاب، بالفرنسية، في 105 صفحات، وتوزعته، فضلا عن مقدمة وخاتمة، أربعة أبواب، أولها "دولة اجتماعية، ثورة"، تناول قانون الأسرة والحماية الاجتماعية، والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية وتجربة هيئة الإنصاف والمصالحة؛ وثانيها "اقتصاد، تنويع مثالي"، تناول البنية التحتية واتفاقيات التبادل الحر، والصناعة، والفلاحة، وأسواق رأس المال؛ وثالثها "تنمية مستدامة، منهجية ملكية"، تناول المسار الثلاثي للتنمية المستدامة، وأهداف التنمية المستدامة، والتغيرات المناخية؛ أما رابعها "علاقات دولية، واقعية ملكية" فتناول المغرب العربي، والتحول في قضية الصحراء، وإفريقيا: عودة ذكية وفعالة، والعالم العربي والشرق الأوسط: التطبيع ليس شيكا على بياض، والغرب: تحالفات وخلافات، والجنوب الكبير: المصالح الاقتصادية أولاً.
 
وشددت مقدمة الكتاب على أن تولي الملك محمد السادس الحكم في نهاية  تموز( يوليو) 1999، شكل قطيعة على مستوى أسلوب تدبير الحكم، وذلك باعتماد مفهوم الدولة الاجتماعية، ضمن نهج جديد على المستوى الجيو - سياسي والاقتصادي. 
 
في سياق ذلك ، جرى إطلاق أوراش كبرى أنجز بعضها بالكامل، فيما يوجد الآخر قيد الإنجاز، على غرار مشروع الانتقال الطاقي.
 
وتوقفت المقدمة عند مختلف المحطات التي ميزت ربع قرن من حكم الملك محمد السادس، مع تركيزها على الجوانب الاجتماعية الكبرى، مثل قانون الأسرة، وهيئة الإنصاف والمصالحة، التي اعتبرت ملفات رئيسية لبداية الحكم، فضلا عن الشق الاجتماعي الذي قطعت فيه أشواط مهمة؛ فيما جرى إطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، التي يعترف بها اليوم كنموذج للاندماج الاجتماعي في المنطقة.
 
في الشق الاقتصادي، قامت المملكة بتقوية بنيتها التحتية، باعتبارها مفتاح نجاح نهجها الجديد، بشكل يسمح بنمو الإنتاج ليتناسب مع مختلف اتفاقيات التبادل الحر. وبالموازاة مع التنمية الاقتصادية، تضيف المقدمة، بلورت المملكة خطة للانتقال الطاقي، تهدف إلى ضمان 52 بالمائة من احتياجات البلاد من الطاقة في أفق 2030. وهو مشروع، أشارت المقدمة، إلى أن الملك يشرف عليه شخصيا، بالنظر إلى أهمية وحجم هذا الورش الذي ينظر إليه اليوم كأحد أكبر برامج التنمية المستدامة في العالم.
 
وأشارت المقدمة أيضا إلى الخريطة الجيو - سياسية وإلى العلاقات الدولية، حيث نجح المغرب في فرض بصمة دبلوماسية خاصة تقوم على شقين، أولهما تنويع شركائه، مما مكن المملكة من توسيع علاقاتها الاقتصادية والتجارية في جميع أنحاء العالم،وبالتالي تجاوز الاعتماد على أوروبا؛ وثانيهما بلورة مقترح لحل سياسي لنزاع الصحراء، يتجسد في مقترح الحكم الذاتي الذي طُرح في 2007، والذي يحظى بمتابعة واسعة النطاق وتتبناه اليوم غالبية الدول، بما فيها القوى الكبرى، على غرار الولايات المتحدة وفرنسا.
 
على المستوى الدبلوماسي، أشارت مقدمة الكتاب  إلى أن المغرب يحظى بالاحترام والتقدير، وذلك لاستقراره واستمرارية نظامه، مجسدا في ملكية متجذرة في التاريخ، تقودها نفس الأسرة الحاكمة منذ أربعة قرون. وهي مكانة، مبنية على الاحترام والتقدير، تعززت منذ مجيء الملك محمد السادس، الذي اختار إفريقيا كامتداد للمملكة، مع الانفتاح، في الوقت نفسه، على آسيا، ولا سيما بعض القوى الفاعلة، مثل الصين، وروسيا، والهند، ومن أميركا اللاتينية البرازيل.
 
ورأت مقدمة الكتاب أن المغرب انتقل، في ظرف ربع قرن، إلى المملكة الثالثة، مع مطلع الألفية الثالثة، عارفا تقدما لا يمكن إنكاره في جميع النواحي، بحيث ارتفع ناتجه الداخلي الإجمالي من نحو 46 مليار دولار في 1999 إلى أكثر من 140 مليار دولار في 2023، وذلك بزيادة إجمالية ناهزت زائد 200 في المئة.
 
ورسمت مقدمة الكتاب صورة إيجابية جدا حول مستقبل البلاد، مشيرة إلى أن التوقعات واعدة في أفق 2035، بفضل تنفيذ النموذج التنموي الجديد، والاستضافة المشتركة، بمعية إسبانيا والبرتغال، لكأس العالم في 2030، إضافة إلى تطوير الرأسمال البشري وتثمين البنيات التحتية اللوجستية والصناعية، وغيرها.
 
في الخاتمة، يخلص الكتاب إلى أنه، ومنذ الأشهر الأولى من حكمه، تم الكشف بوضوح عن خارطة الطريق الدبلوماسية للملك محمد السادس، التي توجهت نحو إفريقيا، مع انتهاج مقاربة مختلفة، حيث لم تعد المسألة متعلقة بالتركيز على التحالفات القائمة على أساس التوجهات الأيديولوجية، وفق ثنائية "شرق – غرب"، بل على مصالح الشعوب، خصوصا ما تعلق منها بالمبادلات التجارية، والأمن الغذائي، وإعداد البنيات التحتية، وتسهيل تمويل الاقتصاد.
 
واعتبرت خاتمة الكتاب  أن هذا التوجه، على مستوى الخطاب، كان له صدى لدى جيل جديد من الزعماء الأفارقة، وكانت أولوياته اقتصادية بالأساس. ولهذا، لم تكن عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي إلا مسألة وقت.
 
وفي ما يتعلق بالعلاقات مع مجلس دول التعاون الخليجي، شددت خاتمة الكتاب على أن استمرارية العلاقات الثنائية لا تعتمد على شخصية الملوك، بل تستجيب لثابت متوارث منذ أكثر من نصف قرن. وأن ما يتغير، من ناحية أخرى، هو التقييم لمفهوم "العالم العربي"، الذي عبر عنه الملك صراحة، والذي يرتبط أكثر بصفته كرئيس للجنة القدس، التي تمنحه مكانة رفيعة بين القادة الفلسطينيين والشعب الفلسطيني.
 
وعمومًا، تشير خاتمة الكتاب، حافظ المغرب دائما، في علاقاته مع الدول العربية (خارج دول مجلس التعاون الخليجي)، بما في ذلك اتحاد المغرب العربي، على علاقات ثنائية وثيقة على أساس كل حالة على حدة. فيما يبقى لقضية الصحراء، وزنها هنا، كما هو الحال مع بقية دول العالم.
 
وأشارت الخاتمة إلى أن الملكية في المغرب تحظى باحترام كبير في الغرب، وذلك لاستقراره وثباته؛ على الرغم مما يلاحظ من وجود بعض التردد حول قضية الصحراء. 
 
ومن المسلم به، تضيف الخاتمة، فقد اتخذت فرنسا خطوة حاسمة بدعمها لخطة الحكم الذاتي في 2007، وخطت الولايات المتحدة خطوة عملاقة باعترافها بسيادة المغرب على الصحراء، ولكن هذين العضوين الدائمين في مجلس الأمن لم ينجحا، أو لم يحاولا، جر الغرب إلى صفهما، على الرغم من الخطوة الجريئة للمغرب بالتطبيع مع إسرائيل. وفيما لا تزال العديد من الدول الأوروبية ترى في المغرب، الحليف الوفي، والشريك الاقتصادي الموثوق به، قرر المغرب بشكل نهائي أن يحكم على علاقاته الثنائية من نظارات قضية الصحراء. وهو توجه تسبب في صدامات مع دول أوروبية، انتهت غالبيتها إلى تفهم وجهة النظر المغربية، بل إن بعضها ارتقى بموقفه من قضية الصحراء إلى مستوى أعلى بخصوص قضية الصحراء، مثل إسبانيا.
 
وبعد ربع قرن من العلاقات الدولية التي قادها الملك محمد السادس، تحققت نجاحات في عالم ليست الدبلوماسية فيه علمًا دقيقًا ولا ثابتًا نهائيًا، إذ كثيرا ما عرفت المملكة كيف تستفيد من الأزمات الإقليمية والعالمية على أفضل وجه، بطريقة تحترم خط سلوكها وواقعيتها التي لا تتغير في نظام عالمي جديد قيد التشكل.
الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium