شرع رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، منذ تولّي بلاده الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي للأشهر الستة المقبلة، في تحرّك لافت لوقف الحرب الروسية - الأوكرانية. وزار كييف في 2 تموز (يوليو) ثم انتقل بعدها إلى موسكو، ومن ثم إلى بكين وبعدها إلى واشنطن.
لكن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي قلّل كثيراً من وزن المساعي التي يقوم بها أوربان، عندما قال في وارسو الاثنين، إن جهود السلام يتعيّن أن تضطلع بها ثلاث قوى كبرى، هي الولايات المتحدة أو الصين أو الاتحاد الأوروبي.
ومعلوم أن أوربان اتخذ منذ اندلاع الحرب في 24 شباط (فبراير) 2022 موقفاً محايداً، وحافظ على الاتصالات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، على الرغم من مقاطعة كل قادة الاتحاد الأوروبي له، وبقي يدعو إلى إيجاد تسوية سياسية للنزاع، معارضاً إرسال الأسلحة الغربية إلى كييف. كما عرقل مساعدة أوروبية بـ50 مليار يورو تُدفع على سنوات لأوكرانيا، أشهراً عدة.
ويقترب أوربان في موقفه إزاء النزاع الأوكراني من موقف الرئيس الصيني شي جينبينغ، الذي يدعو إلى تسوية سلمية، رافضاً الاتهامات الغربية لبلاده بتزويد موسكو بمعدات عسكرية، وبمساعدتها في الالتفاف على العقوبات الغربية.
الملاحظ أن أوربان انطلق في "مهمّة السلام"، كما يسمّيها، بعدما وجد معظم المشاركين في القمة التي عُقدت في جنيف في حزيران (يونيو) الماضي بدعوة من أوكرانيا، أنه لا يمكن التوصل إلى سلام من دون مشاركة روسيا في أي جهد يُبذل في هذا الاتجاه. ولم تشارك الصين في تلك القمة لعدم اقتناعها بإطلاق أي جهد دبلوماسي بمعزل عن روسيا.
ربما هذا الموقف هو الذي شجع أوربان على القيام بجولته، التي سيعرض حصيلتها على القادة المشاركين في قمة حلف شمال الأطلسي "الناتو" في واشنطن في هذا الأسبوع، بحضور الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.
وتحاول الصين، التي تتمتع بعلاقات وثيقة مع روسيا، حضّ مختلف الدول على الانضمام إلى خطة سلام مكونة من 6 نقاط أصدرتها مع البرازيل في أيار (مايو) الماضي. وتقترح الخطة الصينية - البرازيلية عقد مؤتمر دولي للسلام "في وقت ملائم"، مع إشراك روسيا وأوكرانيا بشكل متساوٍ في هذا المؤتمر.
يشير الجهد المجري الذي لم يأتِ من فراغ، إلى أن أوكرانيا والدول الداعمة لها صارت على قناعة بأن الوقت حان لطرح مبادرة سياسية، لا سيما أن الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة ستشكّل محطة فاصلة على هذا الصعيد، سواء بقي الرئيس جو بايدن لولاية ثانية، أو عاد الرئيس السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.
وفي ظل الجدل الدائر داخل الحزب الديموقراطي حول ما إذا كان يتعيّن على بايدن سحب ترشيحه لمصلحة مرشح آخر، في ضوء تدهور قدراته الصحية والذهنية، كما بينت المناظرة التلفزيونية الأولى في 27 حزيران (يونيو) الماضي، تميل الكفة إلى ترامب وفق أكثر من استطلاع.
يطرح هذا الاحتمال أكثر من تساؤل حول ما سيكون عليه الموقف الأميركي في حال فوز ترامب، الذي يؤكّد ليل نهار أنه قادر على إيجاد تسوية سياسية للنزاع في غضون "يوم واحد". وتذهب التقديرات إلى إمكان نشوء خلاف أميركي - أوروبي في شأن مواصلة الدعم الغربي لأوكرانيا بالمستوى الحاصل اليوم. وأوروبا وحدها غير قادرة على القيام بأعباء الدعم إذا قرّر ترامب وقف المساعدات الأميركية، أو حتى خفضها.
إذاً، لا بدّ من سبر أغوار تسوية سياسية ترغب فيها الصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا ومعظم دول الجنوب. ما يساعد في الدفع في هذا الاتجاه، هو أن الحرب تحوّلت منذ أكثر من سنة إلى حرب استنزاف وحرب تدمير للمنشآت الحيوية في البلدين. فروسيا تدمّر قطاع الكهرباء في أوكرانيا، وأوكرانيا تدمّر قطاع النفط في روسيا.
حاولت أوكرانيا شنّ هجوم مضاد في العام الماضي بدعم غربي واسع، وأخفقت في تحقيق اختراق يعيد تشكيل التوازنات العسكرية في الميدان لمصلحة كييف. وتشنّ روسيا منذ أشهر هجوماً على أكثر من جبهة من دون أن تحرز تقدّماً يحقق لها مكاسب عسكرية كبيرة تؤهلها فرض تسوية لمصلحتها.
الجانبان الروسي والأوكراني في مأزق. وربما هذا ما حرّك المياه الراكدة للجهود الدبلوماسية لأوربان وغيره من دعاة وقف الحرب فوراً.