أحذية الأطفال التي كانت توضع قريباً من بيت السير كير ستارمر، قبل الانتخابات الأخيرة، أزعجت زوجته الليدي فيكتوريا، بدلاً من أن تقنعها بالتعاطف مع حق الفلسطينيين بالحياة. لم تحمل مناشدات أنصارهم المُلحّة زوجها على إعادة النظر بتأييده المتحمس للحرب التي تغتال كل يوم في غزة صغاراً كأصحاب تلك الأحذية. وأثارت قلق زوجته، اليهودية الملتزمة، فراحت تنتقد ما يفعلونه في حيّها الراقي شمال لندن. واشتكت، على طريقة اليهود البريطانيين المتشدّدين من أن التظاهرات تمثل "تهديداً وترهيباً" لها. ونُسب إليها القول إنها كانت تحسّ بـ"الغثيان إلى حدّ ما" وباتت "متوجسة وغير مرتاحة" بسبب الاحتجاجات.
فيكتوريا أم لولد وبنت في سن المراهقة. وتنتسب إلى الكنيس الليبرالي التقدّمي، الأكثر مرونة وانفتاحاً على الآخر من الطوائف اليهودية الأرثوذكسية الأصولية. ويشاركها هذا الانتماء زوجها، غير اليهودي أصلاً، إلى جانب ولديهما. مع هذا كله، لم تشعر بألم الأمهات الفلسطينيات على صغارهن الذين تخطف الحرب أعمارهم الغضة قبل الأوان!
وتعتبر السيدة الأولى عملياً "نصف يهودية". كان والدها لاجئاً بولندياً يهودياً وأمها طبيبة مسيحية إنكليزية اعتنقت دين زوجها. ويصف العارفون فيكتوريا، بـ "التقدمية" التي تؤيّد إسرائيل بقوة وتخاف عليها، خصوصاً أن لها أهلاً وأصحاباً فيها. كما تساهم في الجهود الرامية إلى مكافحة "معاداة السامية". وهي جريئة إلى درجة صادمة أحياناً، لا تعرف المواربة وقول شيء يتناقض مع قناعاتها، خلافاً لزوجها الذي يؤخذ عليه التقلّب والمجاملة.
إلّا أن المحامية السابقة التي تعمل منذ سنوات في هيئة الخدمة الصحية الوطنية، لم تذهب بعيداً في طريق السياسة، بل ظلت تتعامل معها كهواية. تزعمت اتحاد الطلاب في جامعة كارديف، حيث درست القانون وعلم الاجتماع، وناضلت ضدّ سياسات حزب المحافظين التعليمية في تلك الفترة. وبعد سنوات، تطوعت في فريق حملة توني بلير الانتخابية عشية انتخابات 1997. ولم تخجل من تبني قناعات يسارية عمالية، مع أنها ابنة عائلة ميسورة ترعرعت في أحد أحياء الطبقة المتوسطة شمال العاصمة غير البعيد من كينتيش تاون حيث تعيش حالياً. بيد أن علاقتها بالسياسة بقيت هشة، على صعيد الممارسة. وربما زاد في نأيها عن السياسة، لقب الليدي الذي حظيت به بشكل أوتوماتيكي عندما خلعت حكومة المحافظين على زوجها لقب سير في 2014. ولعلّ اللقب الذي كانت الأميرة ديانا ومارغريت تاتشر، بين من تمتعن به في الماضي، عزّز إحساسها بأنها من نبلاء الطبقة المتوسطة.
عارضت بشدّة حماسة زوجها لاحتراف العمل السياسي بادئ الأمر. وحينما يئست من قبوله نصائحها بالعدول عن هدفه من أجل الراتب السمين الذي يوفره له منصب قانوني رفيع، رضيت بالأمر الواقع وبقيت إلى جانبه كجندي مجهول يسانده في الخفاء من دون أن يظهر معه على منابر السياسة إلّا في ما ندر.
في هذه الأثناء، ثمة من يدّعي، أن الزوجة اليهودية تعمّدت ألّا تشارك في حملة زوجها الانتخابية التي استمرت قرابة 6 أسابيع، ولا في نشاطاته على امتداد 4 سنوات قضاها زعيماً لأكبر أحزاب المعارضة، مفضّلة التأثير فيه سراً!
ينشر مروجو نظريات المؤامرة هذه الأوهام المعادية للسامية عبر وسائط التواصل الاجتماعي، من دون أن يعرفوا ضحيتهم حق المعرفة. ففيكتوريا، معنية بالأزياء والدعم المجتمعي والتعليم والصحة، أكثر منها بالسياسة. لابل لعلها تتجنّب السياسة لأنها تخشى منها على ولديها أولاً وعلى نفسها ثانياً. وقد حرصت هي وزوجها، منذ وصوله إلى حكومة الظل العمالية في 2016، على التكتم التام عن كل ما يتعلق بولديهما، حتى أن اسم الفتاة لا يزال مجهولاً، بينما يُعتقد أن شقيقها يدعى توبي. وليس هناك صورة متداولة لأي منهما. أما أمهما، فليس معروفاً بشكل أكيد تاريخ ميلادها، وإن كان يُعتقد أنها رأت النور في 1974، وكل ما يُقال عنها منقول عن "مصادر مقرّبة"، إذ تصرّ على عدم التحدث الى الإعلام منذ 4 سنوات على الأقل.
لعلها أقنعته بممارسة شعائرها، مع أنه مسيحي متردّد يصف نفسه بـ "الملحد". كانت وراء حرصه على تربية ولديهما تربية يهودية صافية. لكن هذا لا يعني بالضرورة أنها تشارك في صناعة سياساته حيال إسرائيل. ونفورها المجبول بالخوف من السياسة لا يوحي بأنها مسؤولة عن أدائه السياسي. كان كل منهما عمالي الهوى، تشكّلت شخصيته السياسية حين تعرّفا إلى بعضهما بعضاً أوائل العقد الأول من هذه الألفية واقترن بها في 2007.
ويغلب الظن أن السيدة الأولى ستبقى متفرجة على عمل زوجها في "10 داونينغ ستريت" من دون أن تتدخّل فيه، إذ "ستكون موجودة دائماً، من دون أن تكون حاضرة على الإطلاق" حسبما وصف دينيس تاتشر دوره الشكلي الخالص إلى جانب زوجته مارغريت وهي على رأس السلطة.
ولن تغيّر توجّهه الأخير، إذ صدقت التكهنات بأنه سيعدل بعض مواقفه من إسرائيل ولو ببطء بالغ، فأهداف تحركه ما زالت غامضة، وربما تجاوزت حماية زعامته من غضبة المسلمين البريطانيين. إلّا أنه اتخذ خطوات في طليعتها تعيين ريتشارد هير نائباً عاماً عضواً في مجلس الوزراء، وهو المعروف بانتقاداته لإسرائيل. وربما يكون هذا المحامي اليهودي هو صانع القرار البريطاني المفترض بالكفّ عن معارضة أمر المحكمة الجنائية الدولية اعتقال بنيامين نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل ويوآف غالانت وزير دفاعها. كما أدلى ستارمر بتصريح جاء فيه أن الدولة الفلسطينية "حق لا يمكن إنكاره"، وهذا غريب من سياسي كان شغله الشاغل رفض كل ما ترفضه تل أبيب.
لم يكن رئيس الوزراء في حاجة إلى تشجيع زوجته حين قرّر الالتحاق بركب أنصار إسرائيل، ويُستبعد أن تثنيه إذا قرّر تغيير موقفه. فمصلحته هي صاحبة القرار في الحالتين!