النهار

لماذا أؤيّد فضح أليس مونرو بعد موتها؟
العنود المهيري
المصدر: النهار العربي
يعيش عشاق الأدب صدمة عنيفة منذ أن كشفت آندريا روبن سكينر، ابنة آليس مونرو، القاصّة الفائزة بجائزة نوبل للآداب في عام 2013، عن تقاعس والدتها المقيت في الدفاع عنها بصفتها ضحية للتحرّش الجنسي.
لماذا أؤيّد فضح أليس مونرو بعد موتها؟
القاصة آليس مونرو الفائزة بجائزة نوبل للآداب في عام 2013 (أ ف ب)
A+   A-
يعيش عشاق الأدب صدمة عنيفة منذ أن كشفت آندريا روبن سكينر، ابنة أليس مونرو، القاصّة الفائزة بجائزة نوبل للآداب في عام 2013، عن تقاعس والدتها المقيت في الدفاع عنها بصفتها ضحية للتحرّش الجنسي. كتبت سكينر في مقالتها المزلزلة، أن جيرالد فريملين، زوج والدتها، استهدفها منذ كانت في التاسعة، واستمر في التحرّش بها حتى فقد الاهتمام مع بلوغها المراهقة. وحينما فاتحت سكينر والدتها بالسرّ الأليم، لم يكن من الكاتبة المعروفة بسبرها أغوار التجربة الأنثوية حتى عُدت "كاتبةً نسوية"، إلّا أنها قرّرت التشبث بالزوج المتحرّش، واستكمال زيجتهما 37 عاماً!
 
أعترف بأن صوتي الداخلي المتشكّك تساءل للوهلة الأولى عن جدوى نشر هذا "الغسيل المتسخ" بعد شهرين من وفاة مونرو، وشعر بأن المقالة جاءت متأخّرة للغاية. 
 
لكن حسبها أنها ستحرم روح مونرو من الارتياح في "المنطقة الرمادية" التي كانت تطمح إليها.
 
للأسف، أعرف الكثير من الأمهات ممن هنّ على شاكلة مونرو، فقد خذلن بناتهنّ، بل طعنهنّ في الظهر في المعركة ضدّ المتحرش الجنسي. أعرف من طردت ابنتها بتهمة "إغراء" زوج الأم المتحرّش، وأعرف من رفعت السكين ضدّ ابنتها مهدّدة إياها في حال شكت أخيها المتحرّش إلى السلطات، وألحقت "العار" بالقبيلة العريقة، وأعرف من أحرقت فخذ ابنتها حين تحرّشت بها قريبة أكبر سناً، فلا يمكن – في عرف تلك الأم - للطفلة إلّا أن تكون قد اختارت أن تشبع الرغبات البيدوفيلية المريضة.
 
وأتخيل دائماً أن هؤلاء الأمهات يعتقدن أنه سيتمّ إعفاؤهن من العقاب حينما يحين موعده. إنهن يتصورن أن الضحية حينما تنطق – إذا تجرأت على النطق أصلاً - فإنها ستتردّد وستتلعثم عند جانبهن من القصة، لأنها ستلتمس لهن العذر، وستتفهم دوافعهن ومخاوفهن، وستبصر – بالحكمة التي تتأتى للنساء مع النضج - بأن الأم كانت ملوية الذراع، منعدمة الحيلة.
 
فهذه الفتاة ستتعاطف مع والدتها التي لم تستطع أن تخاطر بإفشال زيجة ثالثة في مجتمع لا يرحم المطلقات، فاضطرت إلى الذود عن زوجها المتحرّش. وتلك الفتاة ستضع نفسها في موقف والدتها الحرج، حيث أن تحقيق العدالة لابنتها كان يعني اختفاء ابنها في غياهب السجون، فستعفو عنها. والفتاة الثالثة ستهز كتفها مستسلمة، فكيف عسى والدتها أن تفسد علاقتها بأقربائها بسبب طيش إحداهن، وتحرّشها بطفلتها؟ 
 
وحتى سكينر، كان من المفترض بها أن تقتنع بحجة والدتها، وترى الأمور من منظورها المعتل. وحجج الأمهات المثقفات ليست كسواها، إذ إن مونرو اعتبرت أن مطالبتها بالتضحية بزيجتها السعيدة من أجل ابنتها "ضرب من الميسوجينية" الملقاة على كاهل الأمهات! 
 
بسبب هذه الحيلة الخبيثة التي تُلعب على ضحايا التحرّش الجنسي ليضطررن إلى المفاضلة بين السيئ والأسوأ، والأكثر والأقل دافعاً للظلم، سأؤيد فضحهن أمهاتهن حتى ولو بعد قرون من الحادثة. 
 
احرموهنّ من التواري في البقعة الضبابية المحيّرة بين الجاني والمجني عليه، وكفى بذلك من انتصار.
 
الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium