النهار

بزشكيان في شهر العسل... يسعى إلى إرضاء الجميع!
يوسف بدر
المصدر: النهار العربي
​ بصعوبة تمكن السباحة في المستنقع. بهذا التعبير يمكن وصف السياسة الخارجية المقبل عليها الرئيس الإيراني الإصلاحي مسعود بزشكيان. فإن كان يسعى الى التوازن بين الشرق والغرب، فإن الغرب مشغول بانتخاباته، بينما الشرق مستقر على كرسيه وكذلك في إدارة مصالحه مع إيران.
بزشكيان في شهر العسل... يسعى إلى إرضاء الجميع!
بزشكيان والى يمينه ظريف
A+   A-
بصعوبة تمكن السباحة في المستنقع. بهذا التعبير يمكن وصف السياسة الخارجية المقبل عليها الرئيس الإيراني الإصلاحي مسعود بزشكيان. فإن كان يسعى إلى التوازن بين الشرق والغرب، فإن الغرب مشغول بانتخاباته، بينما الشرق مستقر على كرسيه وكذلك في إدارة مصالحه مع إيران. 
 
أما في الداخل، فمن الواضح أن الرئيس الطبيب يمارس سياسة الصبر الاستراتيجي، إذ بينما أُعلن فوزه أمام منافسه المحافظ، سعيد جليلي، في 6 تموز (يوليو) 2024، تنتظر مراسم أدائه اليمين الدستورية في البرلمان حتى 30 من الشهر الجاري، ثم بعدها يواجه معركة تمرير أسماء وزراء حكومته في برلمان تهيمن عليه أغلبية محافظة.
 
وخلال هذه الفترة، يعمل بزشكيان على بعث رسائل إلى الداخل والخارج مفادها الطمأنة. فقد قال في أول تصريحاته بعد إعلان فوزه إنه "سيمد يد الصداقة للجميع"، ثم ذهب إلى مرقد المرشد الأول المؤسس للجمهورية الإسلامية الإمام الخميني، ليعلن من هناك الولاء لمبادئه، حتى يطمئن إلى وقوف المرشد الثاني علي الخامنئي ناحيته. ولذلك شكره بزشكيان قائلاً: "لولا حكمته لم نكن نحظى بهذه الفرصة"، في إشارة إلى دوره في تمرير ترشحه في مجلس صيانة الدستور. وزاد على ذلك، زيارته أسرة سلفه الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي، الذي لطالما اعتبر خامنئي حكومته النموذج الأمثل الذي يجب أن تقتدي به الحكومات اللاحقة. ولذلك بعث بزشكيان رسالة إلى الأمين العام لـ"حزب الله" في لبنان حسن نصر الله، يؤكد فيها استمرار مبدأ دعم المقاومة، بينما غايته تأكيد استراتيجية "المرونة البطولية" التي حرص المرشد الأعلى على التزام خارجية بلاده بها، وإن كان واقعياً يقضي بزشكيان شهر العسل حيث لا يزال يتلقى التهاني، ولذلك لا يمكن الحكم على أداء حكومته التي لم تدخل الحياة العملية بعد. لكن من الواضح أنه يستغل هذه الفترة الزمنية في كسب الداخل، فقد شكّل خمس لجان لانتخاب أعضاء حكومته على أساس قاعدتين: الكفاءة وتمثيل جميع القوى، لتتشكل في النهاية حكومة وحدة وطنية ائتلافية تعددية، على أمل وأد صراع الداخل. 
 
معضلة المحافظين والشرق
يبدو أن وزير الخارجية السابق محمد جواد ظريف الذي يلازم الرئيس الجديد بخبرته التي اكتسبها خلال حكومة حسن روحاني الإصلاحية، يساهم في تشكيل آمال ومخاوف بزشكيان الذي أشار في أول خطاب له إلى أهمية تناغم البرلمان مع الحكومة من أجل نجاح أدائها، إذ كان يشير إلى تجربة سلفه، حيث كانت التركيبة المحافظة في الحكومة والبرلمان عاملاً لاستقرار ولاية رئيسي، بينما في عهد روحاني كانت القوى المحافظة في المؤسسات كافة تعمل ضد حكومته من أجل إفشال الاتفاق النووي. وهو ما كشفه ظريف من أن المحافظين والعسكريين في الحرس الثوري تحالفوا مع روسيا ضد الحكومة الإصلاحية.
 
لذلك لم تكن مشاركة رئيس البرلمان، غريم بزشكيان في انتخابات الرئاسة محمد باقر قاليباف، في مؤتمر الجمعية العامة البرلمانية لمجموعة "بريكس" في مدينة سان بطرسبورغ بالأمر العادي، فقد حرص على الاجتماع مع الرئيس الروسي، الذي لا يرحب بقدوم حكومة إصلاحية توازن بين الشرق والغرب، وأكد فلاديمير بوتين أن "التعاون بين طهران وموسكو سيشهد مزيداً من التوسع". 
 
وتحدث قاليباف وكأنه واضع للسياسات التنفيذية للحكومة، فأكد أهمية المضي في سياسة تخطي العقوبات الغربية وتفعيل حركة الترانزيت بين روسيا وإيران، والاستفادة من العملات المحلية في التبادل التجاري بين البلدين. وهي السياسة التي حرصت حكومة رئيسي على اتباعها، وتقضي بأن يتم حل المعضلة الاقتصادية بالتحالف مع القوى الشرقية من خلال منظمات مثل "شنغهاي" و"بريكس" و"الاتحاد الأوراسي" إلى جانب التبادلات التجارية مع دول الجوار.
 
لكن الرئيس الجديد يراهن على التوازن بين الشرق والغرب، وهو أمر قد يُغضب بلداً مثل روسيا التي لن تسمح بنجاح أي اتفاقات بين إيران والغرب لا تضمن مصالحها الاقتصادية أولاً، لا سيما أنها تقع تحت طائلة العقوبات الغربية أيضاً.
 
دمج بين رئيسي وروحاني
إذا أعدنا قراءة مقالة بزشكيان التي نشرها بالعربية في صحيفة "العربي الجديد"، الخميس 11 تموز (يوليو)، ندرك طبيعة سياسته الخارجية التي يعلنها على الأقل بصورة نظرية الآن. وهي أنه يسعى إلى دمج مكتسبات حكومة رئيسي الخارجية مع نهج حكومة روحاني الإصلاحية. 
 
وتبدو أنها رؤية منطقية، بخاصة أن حكومة رئيسي المحافظة نجحت عملياً في تحقيق نجاحات إقليمية يجب استكمالها مثل الحوار مع دول الخليج، وهو ما عجزت حكومة روحاني عن تحقيقه. 
 
لكن بزشكيان يحتاج إلى الإجابة عن السؤال الأهم: لماذا عجزت؟ فحكومة رئيسي المحافظة استطاعت أن تُصلح علاقة إيران مع طاجكستان شمالاً وأن تعقد اتفاق مصالحة مع السعودية وحلفائها جنوباً، وهذا لم يكن ليتم لولا التنسيق مع الحرس الثوري وبأوامر المرشد الأعلى، وما كانت جماعة الحوثي اليمنية لتتوقف عن استهداف داخل السعودية والإمارات، لو كانت هناك حكومة إصلاحية في إيران.
 
إن التزام بزشكيان استراتيجية المصالح التي حققتها حكومة رئيسي، مثل التزامه سياسة "أولوية الجوار" في مواجهة النفوذ الإسرائيلي والاتفاق الإبراهيمي، يضمن له تعاون قوى الداخل المحافظة مع حكومته. فقد كتب بزشكيان في مقالته: "ستسعى الحكومة الجديدة إلى الحفاظ على توجه الحكومة الحالية في توطيد العلاقات مع دول الجوار". 
 
وفي الوقت نفسه أحيا سياسة روحاني بتجديد الحديث عن مبادرته للسلام والأمن الجماعي الإقليمي التي كانت من بنات أفكار الوزير ظريف، فكتب أيضاً: "يتطلب السلام والاستقرار المستدامان في منطقة الخليج التصدي للتهديدات المختلفة، وإنشاء نظام تعاون وأمن جماعي بين الدول المتجاورة".
 
ثم جاء بزشكيان بمقالة أخرى نشرها بالإنكليزية في صحيفة "طهران تايمز"، الجمعة 12 تموز (يوليو)، كانت بمثابة تأكيد أن حكومته لن تخسر أحداً في الشرق أو الغرب، ما دام الأمر سيدعم سياسته في الداخل، فقد أشار قلمه صراحة إلى دول جوار مثل السعودية والإمارات، وإلى قوى إقليمية مثل روسيا والصين، وأخرى غربية مثل أوروبا والولايات المتحدة، فكتب: "إدارتي سوف تنتهج سياسة اغتنام الفرص من خلال خلق التوازن في العلاقات مع البلدان كافة، بما يتفق مع مصالحنا الوطنية وتنميتنا الاقتصادية، ومتطلبات السلام والأمن الإقليميين والعالميين".
 
والمحصلة أن الحكومة الإيرانية الجديدة ستعتمد سياسة "الرد بالمثل" على أي محاولة للحوار، وأنها لن تضع كل بيضها في سلة الرهان على المفاوضات مع الغرب. بل إن أولوية حل الأزمة الاقتصادية الضاغطة على الداخل ستدفعها على التعامل وفق مبدأ المصالح الاقتصادية أولاً، فبزشكيان يسعى إلى إعادة عهد حكومة الرئيس الراحل هاشمي رفسنجاني التي رفعت شعار التنمية أولاً في مناخ خال من التوتر أو على الأقل خفضه!
 
ويمكن القول أيضاً إن انتهاء الحرب في غزة وكذلك الرغبة المتبادلة بين روسيا وأوروبا في إنهاء حرب أوكرانيا، هما عاملان مساعدان لخلق مناخ مناسب للحوار بين إيران والغرب في إطار حكومة بزشكيان، لكن تبقى إسرائيل معضلة خارجية أخرى!
 

اقرأ في النهار Premium