النهار

أميركا... وأي هدوء ينشده بايدن وترامب؟
سميح صعب
المصدر: النهار العربي
دعا الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس السابق دونالد ترامب الذي تعرّض لمحاولة اغتيال السبت خلال تجمّع انتخابي في بنسلفانيا، إلى الهدوء في الولايات المتحدة،
أميركا... وأي هدوء ينشده بايدن وترامب؟
الرئيس جو بايدن يتحدث الى الاميركيين عن محاولة اغتيال منافسه دونالد ترامب ( أ ف ب)
A+   A-
 
دعا الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس السابق دونالد ترامب الذي تعرّض لمحاولة اغتيال السبت خلال تجمّع انتخابي في بنسلفانيا، إلى الهدوء في الولايات المتحدة، التي قذفت بها الحملات الانتخابية لهذه السنة، إلى حافة الانفجار، وسط لغة بالغة التوتر تصدر عن الحزبين الجمهوري والديموقراطي.   
 
هل من الممكن استعادة الهدوء بسهولة، أم أن أميركا التي تبدو أمة مضطربة وقلقة ومنقسمة على كل شيء، قادرة على التعافي والعودة إلى مسار منضبط لا يحتكم إلى الخطاب المتطرّف ولغة التخوين ونزع الإنسانية عن الطرف الآخر، وصولاً إلى أعمال الشغب في الشوارع واللجوء إلى الرصاص؟
 
الأميركيون أنفسهم يتحدثون عن روح قلقة تسود المشهد السياسي الأميركي، من انتخابات كانت الغالبية تفضّل ألّا تكون بين أكبر مرشحين سناً في التاريخ الأميركي، أحدهما بدأ الضعف الجسدي والذهني يدبّ في أوصاله بوضوح، ما يثير انقساماً داخل حزبه بشأن ما إذا كان يجب أن يمضي في ترشحه أم ينسحب من السباق، وخصمه الآخر، مثير للانقسام، انتقل بحزبه من اليمين إلى الشعبوية واستطاع أن يهيمن عليه بلا منازع منذ 2016، وهذه ثالث مرّة يترشح فيها، ويوحي بأنه عائد للانتقام من هزيمة مذلّة في 2020، لم يعترف بنتائجها ويريد أن يكون "ديكتاتوراً ليوم واحد".    
 
يكرّر ترامب سردية تعرّضه لـ"مطاردة الساحرات" بسبب الدعاوى القضائية التي رُفعت ضدّه منذ مغادرته البيت الأبيض بهدف إرساله إلى السجن ومنعه من الترشح مرّة أخرى، ويخوض حرباً شرسة مع "الدولة العميقة". وأتت الآن محاولة الاغتيال لتعزز لديه خطاب التعرّض للاضطهاد السياسي، لكنه لا يزال على رغم ذلك يقدّم نفسه شخصية خلاصية رسالتها إنقاذ الولايات المتحدة من الهلاك على "أيدي اليساريين والشيوعيين والاشتراكيين والفاسدين والمهاجرين غير الشرعيين"، وعلى أنه الشخص الوحيد القادر على الاضطلاع بهذه المهمّة.   
 
من جانب آخر، يقدّم بايدن نفسه على أنه الشخص الوحيد القادر على إنقاذ الديموقراطية في الولايات المتحدة، ومن أجل هذا الهدف يتحامل على نفسه ويعمل من الصباح حتى الساعة 12 ليلاً، وفق ما يقول، ويرى في نفسه فقط، على رغم كل الضجة المثارة بشأن صحته، أنه الشخص الوحيد القادر في الحزب الديموقراطي على هزيمة ترامب في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، كما فعل في 2020، ضارباً عرض الحائط باستطلاعات الرأي التي بدأت منذ المناظرة التلفزيونية الكارثية في 27 حزيران (يونيو) الماضي، تُظهر تقدّم خصمه في الولايات المتأرجحة، التي من دون أصواتها لن يبقى في البيت الأبيض.   
 
بايدن وترامب يقدّمان نفسيهما على أنهما شخصيتان خلاصيتان، ويوحي كل منهما في خطاباته بأن أميركا سائرة إلى الدمار في حال لم يفز بالبيت الأبيض بعد أقل من أربعة أشهر. وهذان الخطابان هما اللذان قادا أميركا إلى لجة الفوضى والعنف السياسيين. 
 
لا يحتاج العنف، إلّا توافر ظروف تدفعه إلى السطح. بايدن وترامب عمّقا الانقسام في الولايات المتحدة، وصوراها على أنها أمة مصيرها الزوال، من دونهما. لا يقلّ بايدن عناداً عن ترامب.    
 
الجرح الذي أصيب به ترامب بفعل محاولة الاغتيال، سطحي ولا يهدّد حياته، وسيتوّج مرشحاً للحزب الجمهوري، بحفاوة لم يسبق لمرشح جمهوري أن حظي بها من قبل، كما أن حظوظه الرئاسية باتت أفضل بكثير مما كانت عليه قبل حادثة منصة بنسلفانيا. أما جروح الولايات المتحدة التي تنزف منذ سنوات وتثير التساؤلات عن وحدتها وهل لا تزال "أرض الأحلام"، فمن غير المرجح أن تشفى في وقت قريب.    
قد تكون هذه الانتخابات التي كان يُنظر إليها على أنها جولة إعادة مملة بين بايدن وترامب، محطة لتغيير كبير في مسار الولايات المتحدة والعالم.   
 
 
 

اقرأ في النهار Premium