بعد محاولة اغتيال الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في بنسلفانيا السبت الماضي، ازداد الواقع المأزوم لحملة الرئيس جو بايدن، إلى درجة دفعت مجلة "بوليتيكو" الأميركية إلى اعتبار أن ترامب صار رئيساً، منذ أن ضغط توماس ماثيو كروكس على زناد بندقيته نصف الآلية من طراز "آي آر-15" ليصيبه في الطرف الأعلى من أذنه اليمنى.
بديهي أن الناخبين المستقلّين والحائرين لمن يجب أن تذهب أصواتهم، سيتعاطفون مع رئيس نهض من محاولة الاغتيال والدماء تسيل على وجهه، ليرفع قبضته ويصرخ لمؤيديه في الحشد المصدوم مردّداً ثلاث مرات أن "قاتلوا"!
الأميركيون صاروا أمام صورتين: رئيس ضعيف جسدياً وذهنياً يتلعثم في كلامه، ومرشح جمهوري لم تثنه الصدمة عن مواصلة التحدّي. من منهما أكثر رئاسية؟ تتساءل آروى مهداوي في مقال بصحيفة "الغارديان" البريطانية، لتجيب بأن القرار قد اتُخذ على ما يبدو.
جرّدت محاولة الاغتيال بايدن من محور حملته، التي تصور ترامب على أنه "تهديد وجودي للديموقراطية"، وبأنه الوحيد (أي بايدن) على وجه الأرض، وليس في الولايات المتحدة فحسب، القادر على هزيمته! الجمهوريون وبينهم سيناتورات بارزون يقولون إن تصوير الديموقراطيين للرئيس السابق بأنه "تهديد وجودي للديموقراطية"، وبأن هذه آخر انتخابات حرّة ونزيهة تشهدها أميركا إذا فاز ترامب بالرئاسة، قد عززت مناخ الكراهية، وكانت عاملاً في التحريض على محاولة الاغتيال.
أي تكرار لهذه اللازمة التي اعتاد عليها بايدن وفريقه، سيردّ عليها الجمهوريون من الآن فصاعداً باتهام الديموقراطيين بالحضّ على نشر بيئة كراهية وتطرّف، مما يمهّد الطريق أمام ظهور العنف السياسي بالشكل الذي ظهر عليه بعد ظهر السبت في مدينة بوتلر بولاية بنسلفانيا، عندما كان ترامب يهمّ بأن يشرح لمناصريه على خريطة أرقاماً تُظهر المساوئ التي ألحقتها سياسة بايدن بالولايات المتحدة، نتيجة ما يعتبره تراخياً في مجال الهجرة. لكن الرصاصة أوقفته عن الكلام، وحدث ما حدث بعد ذلك.
التعاطف الذي سيكسبه ترامب من الناخبين المتردّدين سيزيد المتاعب أمام بايدن، الذي صرفت محاولة الاغتيال الأميركيين عن التركيز على موضوع التمرّد المتزايد الذي كان يواجهه داخل الحزب الديموقراطي، لإفساح المجال أمام ترشيح شخص آخر، بعد الأداء الكارثي للرئيس في المناظرة الرئاسية الأولى في 27 حزيران (يونيو) الماضي.
هذا الموضوع وإن كان أُرجئ في الوقت الحاضر بسبب الانشغال بمحاولة الاغتيال، قد يُطرح مجدداً مع اقتراب المؤتمر العام للحزب الديموقراطي في شيكاغو في منتصف آب (أغسطس). بالنسبة إلى ديموقراطيين كثيرين، لم يعد بايدن مقنعاً بسبب التراجع الواضح في قدراته الجسدية والذهنية، ومتبرعون رئيسيون للحملة الديموقراطية عزفوا عن مواصلة دفع الأموال، ووسائل إعلام معروفة بتأييدها للديموقراطيين دعت بايدن إلى الانسحاب من السباق الآن، كي يكون في إمكان البديل خوض حملة انتخابية، ولو وجيزة، في مواجهة ترامب.
قبل حادثة بنسلفانيا، لم يكن بايدن مقتنعاً بالانسحاب، ولا يزال يرى نفسه قادراً على القيام بأعباء الرئاسة لسنوات أربع مقبلة، ويصرّ على أنه لا يعاني من أي مشكلة صحية أو ذهنية، وأن ما ظهر عليه من إعياء خلال المناظرة أو بعدها في المقابلة على شبكة "أي. بي. سي." مردّه إلى "نزلة برد" والتعب، نتيجة السفر إلى أوروبا لحضور إحياء الذكرى الثمانين لإنزال النورماندي، وبعدها حضور قمة مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى في إيطاليا.
دخلت حملة بايدن مع محاولة اغتيال ترامب منعطفاً حاسماً، وباتت احتمالات فوز الرئيس بولاية ثانية أو فرص أن يتمكن مرشح ديموقراطي آخر من إلحاق الهزيمة بترامب، شبه معدومة. وتتجّه الأنظار الآن أكثر إلى احتمال خسارة الديموقراطيين مجلسي الكونغرس أيضاً وعدد من حاكمية الولايات.