بعدما رفع المرشح الرئاسي الجمهوري دونالد ترامب قبضته في الهواء مضرجاً بالدماء على وجهه بعد محاولة اغتياله في بنسلفانيا، كان منافسه الرئيس جو بايدن يعلن عن اصابته بفيروس كورونا في ظل تشكيك بقدراته الذهنية على قيادة البلاد. هذا الفارق في المشهدين يعكس صعود ترامب المستمر على إيقاع اسوأ مراحل حملة بايدن الرئاسية. الحزب الديموقراطي أمام خيارات صعبة وحاسمة هذا الشهر بانتظار قرار طوعي من بايدن بالتنحي قد يؤدي، في حال حدوثه، الى دينامو من التطورات المتتالية التي قد تعيد تشكيل السباق الرئاسي في الأشهر المقبلة.
أولى الانشقاقات في الحزب الديموقراطي كانت بين المانحين الذين التقاهم بايدن خلال الأشهر القليلة الماضية طالباً تمويل حملته، وبالتالي كانوا أولى خطوط التواصل في اكتشاف التراجع في قدراته الذهنية. ثم كان أداء بايدن في المناظرة الرئاسية الأخيرة الذي أخرج هذا السر الكبير في الحزب الديموقراطي الى العلن، وبالتالي بدأت تخرج قيادات الكونغرس عن صمتها للضغط على الرئيس. كل هذا لا يكفي لأن لا تخطيط جدياً لمرحلة ما بعد بايدن قبل أن يتخذ الأخير القرار بالتنحي طوعاً، لأنه قد لا يكون لجميع قيادات الحزب الديموقراطي النفوذ الكافي على المندوبين المنتخبين الذين تعهدوا لناخبيهم خلال الانتخابات التمهيدية بتجيير أصواتهم لبايدن. الحزب الديموقراطي أمام أسبوع حاسم لأن هناك تصويتاً افتراضياً مبكراً للمندوبين المنتخبين في الأسبوع الأول من شهر آب (أغسطس) لحسم التصديق على ترشيح بايدن رسمياً أو أي مرشح رئاسي بديل عنه.
حتى قبل أن يحسم الرئيس قراره بالتنحي، بدأت معركة وراثته داخل الحزب الديموقراطي. هناك تيار يقول إن نائبته كامالا هاريس هي الوريثة الشرعية في مسار هو الأكثر سرعة والأقل تعقيداً في ظل المهل الزمنية المحدودة قبل شهر 7 آب المقبل، وهو الموعد النهائي الذي وضعته ولاية أوهايو ليكون أي مرشح رئاسي على لوائح اقتراعها في الانتخابات العامة في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل. التيار الثاني يقول إن مسار ايجاد بديل لبايدن يجب أن يكون مفتوحاً أي أن لا تفرض قيادات الحزب المرشح الجديد على القاعدة. هاريس أو أي مرشح مفترض آخر يحتاج الى 1,968 من أصل 3,933 مندوباً منتخباً في الدورة الأولى من التصويت، وفي الدور الثاني يمكن للمندوبين الكبار التصويت، أي كبار مسؤولي الحزب وعددهم 739 مندوباً تلقائياً حيث يحتاج المرشح المفترض في الدورة الثانية الى 2258 صوتاً من أصل 4,672 أي مجمل عدد المندوبين المنتخبين والكبار. هذا يعني أنه في حال لم يكن هناك إجماع من المندوبين المنتخبين حول هاريس أو أي مرشح آخر، يمكن لكبار مسؤولي الحزب حسم الأمر حسابياً في الدورة الثانية من التصويت.
ليس هناك ضمانات لحصول تتويج تلقائي لهاريس لأنها ليست وريثة شرعية أي لم يتم انتخابها، بل قام بايدن باختيارها ويمكن لهذا الخيار أن يرحل معه. وفي حال تم اختيار مرشح غير هاريس قد يختار هذا المرشح او المرشحة شخصاً آخر لمنصب نائب الرئيس غير هاريس، وفي حال تم اختيار هاريس لتكون المرشحة الرئاسية عليها أن تختار شخصاً جديداً لمنصب نائب الرئيس ليحل مكانها. هاريس لا يمكنها منافسة ترامب كما ينافسه بايدن، وقد تكون أقل قدرة على استقطاب ولايات الوسط الغربي والطبقات العاملة.
وفي حال تم اختيار مرشح أو مرشحة بديلة عن بايدن، فقد يربك ذلك ترامب لفترة لأن حملته كانت مبنية على ثنائية معارضته لولاية بايدن وجدلية صراعه الشخصي معه، باعتبار أنه يدعي أن الرئيس يلاحقه قضائياً وابنه هانتر متورط في قضايا فساد. في حال أصبحت هاريس هي المرشحة رسمياً، سيحتاج ترامب الى تعديلات طفيفة بحيث يمكن أن يقول إن هاريس هي استمرار لبايدن مع استهداف نقاط الضعف في مسيرتها السياسية والمهنية. لكن هناك عدم يقين مع اختيار مرشح آخر بديل عن بايدن، وهذا سيعتمد على من هو هذا المرشح أو المرشحة من ناحية المواقف والتاريخ والشعبية والخبرة في الحكم.
يمر ترامب بمرحلة ذهبية في حملته حيث كل شيء يسير لصالحه مع ارتكاب أقل عدد ممكن من الأخطاء، وهو أمر غير اعتيادي نظرا الى تجربته في الحملات الرئاسية حتى الآن. لكن هذه المرحلة ستمر. وفي حال أنهى الحزب الديموقراطي ازمته الداخلية قد يعود ترامب الى اخطائه ومحاكماته وخطاباته الجدلية، بحيث يغير مرة أخرى الاتجاه الحالي الذي فرضه اداء بايدن الهزيل في المناظرة الرئاسية الأخيرة. اذا فاز ترامب في السباق الرئاسي سيكون نتيجة الأداء المرتبك للحزب الديموقراطي وليس نتيجة تحولات جذرية في حملة ترامب. الخريطة الانتخابية لا تزال غير مؤاتية لمرشح مثل ترامب، الاّ إذا كان منافسه النسخة الحالية من بايدن أو أي مرشح ديموقراطي بديل بدون شعبية على المستوى الوطني وفي الولايات الحاسمة. الطابة الآن في ملعب بايدن والحزب الديموقراطي.