رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في واشنطن للقاءات تشمل الرئيس الأميركي جو بايدن والكونغرس وأركان في الإدارة الأميركية وغيرهم من داعمي إسرائيل من الصهاينة اليهود وغير اليهود، وفي مقدمتهم دونالد ترامب.
اليوم سيعرف ما سيقوله نتنياهو أمام الكونغرس، وإن كان يمكن التنبؤ به، لكن ما قاله نتنياهو سابقاً وما يقوله زعماء إسرائيليون ومسؤولون في الجيش والاستخبارات الداخلية والخارجية، وما يحصل على الأرض معروف ومعبر، وله إشارات إلى تطورات الحرب والمفاوضات.
يتحدث نتنياهو اليوم أمام الكونغرس ويلتقي بايدن غداً، وفي اليوم نفسه يرسل وفداً إلى الدوحة لاستئناف التفاوض على صفقة تبادل الأسرى التي هي في الحقيقة صفقة على كيفية إنهاء الحرب وترتيبات ما بعدها لحكم غزة في ما اصطلح على تسميته بـ"اليوم التالي". ويوم سفر نتنياهو أبلغ وفداً من أهالي الأسرى الإسرائيليين لدى "حماس" أن شروط التوصل إلى صفقة التبادل على مراحل باتت جاهزة، وكشفت صحيفة "يديعوت أحرونوت" عن لقاء أميركي – إسرائيلي - إماراتي في أبو ظبي تم خلاله البحث في ترتيبات "اليوم التالي".
وفيما كانت طائرة نتنياهو تقلع إلى واشنطن، كانت فرق جيشه تمارس وحشيتها اليومية في غزة، وتشن هجوماً كبيراً على مدينة خان يونس التي يفترض أنها أنهت وجود مقاتلي "حماس" فيها قبل شهور، ما يؤكد صعوبة القضاء على مقاتلي الحركة الفلسطينية، وهو ما أكدته القيادة الجنوبية للجيش الإسرائيلي التي اعترفت، بحسب موقع "واللا" العبري، بأن "حماس" لن تعاني نقصاً في عناصرها.
لكن غزة ليست كل المشهد، الضفة الغربية في قلب الحدث أيضاً، طولكرم تشهد جريمة إسرائيلية موصوفة، قتل وتمثيل بالجثث وإطلاق نار على المدنيين ومنع الصحافيين وفرق الإسعاف من الاقتراب وحملة اعتقالات واسعة في المدينة والمخيم. الضفة تغلي وحكاية الأسير المحرر إبراهيم منصور الذي اقتحم مستوطنة محصنة وقتل سجانه السابق وأحرق منزله، قبل أن يعتقله "الشاباك" واضحة في مدلولاتها.
العالم يشاهد ما يحدث في الضفة، وهو مستاء من تمدد حركة الاستيطان فيها، وإذا كان جو بايدن قد فرض عقوبات "رمزية" طالت بعض المستوطنين المتطرفين، فإن دولاً أوروبية مصنفة تقليدياً صديقة لإسرائيل واليابان أيضاً، تعتزم اتخاذ إجراءات ضد حركة الاستيطان والمستوطنين، وبخاصة ضد الوزيرين المتطرفين العنصريين إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش. صحيح أن مثل هذه العقوبات لن تردع إسرائيل وحكومتها المتطرفة، إلا أن تضافر كل العوامل المحيطة بالحرب الإسرائيلية المتمادية في عنفها ووحشيتها على غزة يدفعانها خطوة إضافية إلى زاوية العزلة الدولية التي تشد الخناق عليها وعلى زمرتها الحاكمة يوماً بعد يوم.
ليس كلام الطبيب الأميركي اليهودي مارك بيرلموتر العائد من غزة لشبكة "سي بي إس" من أن "الكوارث التي رأيتها خلال 30 عاماً لا تساوي التي رأيتها في أسبوع في غزة"، جديداً في مضمونه، فالعالم أجمع يشاهد الفظائع المرتكبة يومياً بحق أهل غزة، لكن كلام هذا الطبيب الذي رأى "أطفالاً ممزقين وآخرين محروقين في مشهد لم أتخيله في حياتي... وكيف لطفل أن يتحمل مشهد قتل عائلته أمام عينيه..." وتراكم الشهادات، وخصوصاً إذا كانت من شخصيات يهودية، سيطبعان في وعي المتلقي الأميركي والغربي عموماً صوراً لا يمكن محوها ولا يمكن لأي صاحب حس إنساني إلا أن يتفاعل معها ويدينها. السياسيون يبدون غير إنسانيين في هذا المعنى، فهم لا يقودون دولهم والعالم بوحي من إنسانيتهم بل بمقتضيات المصالح والعداوات الحالية بجذورها الأيديولوجية والتاريخية.
يصر نتنياهو المسافر إلى أميركا لإقناعها برؤيته "الرامبوية" لإنهاء الحرب على غزة بمزيد من السلاح الأميركي المدمر واستجلاب الدعم السياسي، على لازمة يكررها بشكل شبه يومي وهي الحرب مستمرة حتى الانتصار على "حماس"، وهو في الواقع يفكر بالحرب الأوسع من الحرب على "حماس". في الأفق، إذا لم تتوقف حرب غزة وتبرد معها الحرب الحدودية مع لبنان، فإن حرباً أوسع تحتاج دعماً أميركياً أكبر، ولهذا يجب الانتظار ومعرفة ما سيُبحث في الغرف السرية.
صحيح أن بايدن ضعيف حالياً وأن الديموقراطيين يحتاجون إنجازاً دبلوماسياً كبيراً يردم الهوة بينهم وبين خصمهم الجمهوري دونالد ترامب، إلا أن السياسة الأميركية محكومة دوماً بمصالح إسرائيل.