يرزح 154 مليون هندي تحت خط الفقر، ويفتقد 35 مليوناً منهم مياه الشرب النظيفة، ولا يمتلك 678 مليوناً آخرين مرحاضاً – أجلكم لله - والهندي المولود لعائلة فقيرة يحتاج إلى تعاقب 7 أجيال ليبلغ متوسط الدخل في البلاد، وفقاً لتقرير صادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي.
على الجانب الآخر، يُقدّر بأن موكيش أمباني، الملياردير الهندي، أنفق أكثر من 600 مليون دولار على حفل زفاف ابنه أنانت، في احتفالات بدأت منذ كانون الثاني (يناير) الماضي.
وقد تعجب لوهلة من الهندي المعدم حين لا يخرج على آل أمباني شاهراً سيفه، وهم الذين أنفقوا على الزفاف اللعين أكثر من ميزانية التعليم في ولاية كيرالا بأسرها. لكن الحقيقة هي أنه لو استيقظ ذلك العامل الهندي النحيل في جسد أمباني، لفعل فعلته وأكثر.
الهنود مأخوذون بفكرة الإنفاق الجنوني على حفلات الزفاف، الأمر الذي تغوّل مع النزعة الاستهلاكية غير القابلة للإشباع التي نشرتها النيوليبرالية. فلكم أن تتخيّلوا أن متوسط تكلفة العرس الهندي 13 ألف دولار، بينما متوسط الدخل السنوي 4500 دولار، أي أن المواطن العادي قد ينفق مدخرات 4 أعوام تقريباً على "ليلة العمر"، ما يفسّر كون 84 في المئة من جيل الألفية الهندي يستدين لإحياء أعراسه.
أما العائلات المعدمة في الريف، فالكثير منها تتكبّد نسب فائدة تصل إلى 100 في المئة على ديونها من أجل الأعراس، ما يوقع أفراد العائلة لاحقاً في فخ العبودية للدائنين، ويضطرون للعمل 18 ساعة يومياً في وظائف منهكة بدنياً.
ولا غرو كذلك في أن "صناعة" حفلات الزفاف في الهند باتت الثانية على مستوى العالم بعد الولايات المتحدة، بقيمة تبلغ 50 مليار دولار، وهي شهدت نمواً سنوياً لا يقلّ عن 25 في المئة.
بالنسبة إلى الثقافة السائدة في الهند، والتي استحلت الاستهلاك المحموم على الأعراس، لا سيما أن الإنفاق المنضبط يعرّض الناس لتهمة البخل. فأمباني ليس مسرفاً وعابثاً بالضرورة، أو مستفزاً للفقراء ومعاناتهم. إن الرجل الذي تقدّر ثروته بنحو 123 مليار دولار، لم يُنفق فعلياً سوى 0.49 في المئة مما يملك، حتى حينما دفع 9 ملايين دولار للمطربة ريهانا وحدها لإحياء حفل الزفاف، بينما تنفق شريحة ضخمة من الهنود على حفلات زفافها نسباً من مداخيلها كفيلة بتدميرها – حرفياً - وقلب حياتها رأساً على عقب.
غطّت غشاوة الاستهلاك تلك على أعين الكثيرين ممن يفلسون في سبيل توفير قاعة الزفاف المناسبة، والـ"ساري" الأفخم، فرأوا أمباني رجلاً معتدلاً في إنفاقه في نهاية المطاف، ومتزناً في التعبير عن بهجته. حاججوا بالـ 0.49 في المئة، وكأنها لم تكن لتُعالج ملايين المرضى، وتُدرّس ملايين الأطفال، وتُطعم ملايين الحيوانات السائبة، ونسوا بأنه يتصدّر نسبة 1 في المئة من محتكري 40 في المئة من ثروات الهند.
كنت أظن أن الرأسمالية هزمتنا جميعاً حين صيّرت "ليلة العمر" مرادفاً للاستعراض والمبالغة، ولم أتخيل أن تخدّر هذه الحفلات أيضاً شعور الفقراء بانعدام العدالة الفاضح ضدّهم.
وعجبي...