النهار

ما الذي تبدّل في الموقف الفرنسي حيال الصحراء الغربية وأثار استياء الجزائر؟
رندة تقي الدين
المصدر: النهار العربي
عكس بيان الخارجية الجزائرية المنتقد تأييد فرنسا خطة المغرب للإدارة الذاتية للصحراء الغربية استياء جزائريا شديداً. ووصف البيان الموقف الفرنسي بأنه "غير منتظر وغير مناسب وله نتائج عكسية"، في حين أظهر البيان الفرنسي عن تأييد باريس سيادة المغرب على الصحراء رغبة فرنسية في تطوير موقفها وتقريبه من الموقف المغربي في مسعى نحو المزيد من التقارب وتطبيع العلاقة مع المغرب.
ما الذي تبدّل في الموقف الفرنسي حيال الصحراء الغربية وأثار استياء الجزائر؟
الصحراء الغربية: اقتراب فرنسي من الموقف المغربي
A+   A-
عكس بيان الخارجية الجزائرية المنتقد تأييد فرنسا خطة المغرب للإدارة الذاتية للصحراء الغربية استياءً جزائرياً شديداً. ووصف البيان الموقف الفرنسي بأنه "غير منتظر وغير مناسب وله نتائج عكسية"، فيما توقع مصدر فرنسي أن تكون باريس أعربت للجزائريين نيتها بتطوير موقفها وتقريبه من الموقف المغربي في مسعى نحو المزيد من التقارب وتطبيع العلاقة مع المغرب.
 
واكتفى مصدر فرنسي رفيع بالقول لـ"النهار العربي" إن فرنسا كانت دائماً تؤيد خطة المغرب للحكم الذاتي للصحراء الغربية وإن هذا ليس جديداً. لكن الجديد أن البيان تكلم عن سيادة المغرب على الصحراء.
 
 مصادر فرنسية أخرى مطلعة على الملف أفادت بأن "الموقف الفرنسي كان دائماً يؤيد الخطة المغربية بالقول إنها خطة ذات مصداقية ومفيدة لحل الصراع، أما الآن فيظهر أن فرنسا أبلغت الجزائر عبر سفارتها أنها تنوي تطوير هذا الموقف بعض الشيء إلى حد القول إن الخطة المغربية للإدارة الذاتية للصحراء هي الحل وإنها خطة إدارة ذاتية تحت السيادة المغربية". 
 
"النهار العربي" حاور السفير السابق كزافييه دريانكور الذي شغل منصب سفير فرنسا مرتين في الجزائر في 2008 ثم في 2017 وهو مؤلف كتاب اسمه L’ enigme algerienne  أو "اللغز الجزائري".
 
تساءل دريانكور عن توقيت "هذا البيان العنيف من الخارجية الجزائرية عشية الألعاب الأولمبية في باريس وما الذي دفع إلى ذلك"، مضيفاً: "فهمت أن سفارتنا في الجزائر أبلغت السلطات الجزائرية أن فرنسا ستعلن مبادرات جديدة إزاء المغرب والصحراء الغربية. ربما هذا ما أدى إلى صدور هذا البيان العنيف. فالبيان الجزائري يتضمن وصفاً مهماً، إذ يقول إن فرنسا تؤيد خطة الإدارة الذاتية للمغرب تحت سيادة مغربية، وكلمة سيادة المغرب تعني أن فرنسا تعترف بأن الصحراء الغربية مغربية، إذ قبل ذلك كان يقال الخطة المغربية للحكم الذاتي تحت سيادة الأمم المتحدة، أما الآن فالمختلف الآن هو السيادة المغربية". 
 
وهل تجاوزت فرنسا موقفها السابق نحو الاعتراف بمغربية الصحراء؟ "إذا لم نفعله الآن فسنفعله بأي حال لاحقاً لأن فرنسا أدركت أنه ليس هناك ما تتوقعه من الجزائر، وأن لدينا ما نتوقعه أكثر من مصالح سياسية واقتصادية من الجانب المغربي، وأيضاً هناك دول أوروبية عدة أقدمت على هذه الخطوة مثل إسبانيا وألمانيا، ولن نبقى معزولين على حدة، بل سنقدم على الخطوة تدريجياً. وزير الخارجية ستيفان سيجورنيه كان في المغرب منذ أسابيع ورئيس الحكومة غبريال آتال كان من المفروض أن يزور المغرب هذا الشهر لولا الاستقالة. أعتقد أن الرئيس ماكرون بدأ يفهم أنه ليس هناك ما يتوقعه من الجانب الجزائري وأنا لا أتوقف عن قول ذلك منذ سنوات".
 
وربط البيان الجزائري باقتراب الانتخابات الرئاسية الجزائرية التي يخوضها الرئيس عبد المجيد تبون، معتبراً أنه "جزء من استراتيجية الجزائر لانتقاد باريس قبل الانتخابات، لأن المؤسسة العسكرية في الجزائر لا تريد التقارب مع فرنسا. ومن الواضح أن الرئيس تبون والمسؤول في مكتبه بوعلم بو علم والعسكر لا يريدون التقارب مع فرنسا". 
 
وعما إذا كان خطأ تقدير من الرئيس ماكرون أن يحاول التقارب مع الجزائر وفي الوقت نفسه مع المغرب، قال الدبلوماسي السابق: "ليس خطأ أن يحاول التقارب مع الجزائر، ولكن الخطأ في كيفية فعل ذلك. أعتقد أن المسؤولين الجزائريين لا يفهمون إلا علاقة القوة، وماكرون غير باستمرار سياسته إزاء الجزائر. بدأ بالكلام عن أن الاستعمار إجرام ضد الإنسانية ثم زار الجزائر، وبعد ذلك أدلى بتصريح إلى صحيفة "لو موند" في تشرين الأول /أكتوبر 2021 منتقداً النظام الجزائري انتقاداً غير مسبوق من أي رئيس آخر قبله إزاء العسكر وتزوير التاريخ ثم في صيف 2022 زار الجزائر مع قبلات كبرى لتبون، وفرنسا تقوم بمبادرات عديدة، ولا شيء من الجانب الجزائري في المقابل. قد يكون أدرك ماكرون اليوم أنه أخطأ، والرئيس الوحيد الذي نجح في إرساء التوازن في علاقات فرنسا مع المغرب والجزائر هو الرئيس الراحل جاك شيراك الذي نجح مع الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة والملك الحسن الثاني ثم مع الملك محمد السادس، ولكن حتى شيراك نفسه لم ينجح في إتمام معاهدة صداقة مع الجزائر لأن المؤسسة العسكرية الجزائرية لم ترد التقارب مع فرنسا".  
 
وعن أعمال لجنة درس ذاكرة التاريخ بين البلدين التي شكلها ماكرون وتبون، اعتبر أنها "مبادرة جيدة ومفيدة، لكن ليس هناك أي مقابل من الجانب الجزائري، وهذه هي المشكلة: فرنسا تبادر دائماً وتقوم بخطوات تقارب فيما الجزائر لا تفعل شيئاً". 
 
إلى ذلك، قال مصدر فرنسي آخر مطلع على الملف إن فرنسا بدأت مسعى عودة العلاقات الطبيعية مع المغرب منذ زيارة وزير التجارة الفرنسي السابق فرانك ريستير السنة الماضية، ذلك لأن هناك ضغطاً من رجال أعمال واقتصاديين وسياسيين فرنسيين على ماكرون لتحسين العلاقات مع المغرب، وماكرون ينوي زيارة المغرب قبل نهاية السنة. ورأى المصدر أن الجزائر "كالعادة ستتخذ إجراءات لتعبر عن استيائها، وهذا ليس جديداً، فربما توقف إعطاء الإجازات للمطلوبين الجزائريين في فرنسا ليعودوا إلى بلدهم وقد تسحب سفيرها ولن يكون ذلك للمرة الأولى".
 
أما زيارة الدولة للرئيس تبون لفرنسا التي يتم تأجيلها تكراراً، فإنها لن تتم بالتأكيد، بحسب المصدر الذي يوضح أن "كل الدبلوماسيين الفرنسيين المعنيين بالملف في كل من الجزائر وفرنسا ممنوعون من الإدلاء بأي تعليق حول الموضوع، ومما لا شك فيه أن سياسة ماكرون التي يوجزها بعبارة "في آن معاً تقارب مع الجزائر والمغرب"  لا يمكن أن تنجح، لأن المؤسسة العسكرية في الجزائر لا ترى مصلحة إلا بالبقاء على خلاف وانتقاد فرنسا".
 
وخلاصة السفير دريانكور في هذا الإطار "أن الخطاب الجزائري المضاد لفرنسا هو جزء من شرعية السلطات الجزائرية، أما المغرب فلديه شرعية الملك". 
 

اقرأ في النهار Premium