أعلنت مؤخّراً رئاسة السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات الجزائرية عن قبول ملفات ثلاثة مرشحين للسباق الرئاسي الذي ستشهده الجزائر في 7 أيلول (سبتمبر) المقبل، كونها قد استوفت شروط القانون العضوي المتعلق بنظام الانتخابات، وهي ملفات كل من رئيس حزب القوى الاشتراكية يوسف أوشيش، وعبد العالي حساني شريف عن حزب حركة مجتمع السلم الإسلامي الوسطي، والرئيس الجزائري الحالي عبد المجيد تبون، وهو مرشح حرّ زكّته أحزاب كثيرة منظّمة جيداً، ولها سطوة في البرلمان، وتملك قاعدة شعبية في الجزائر العميقة، مثل حزب جبهة التحرير الوطني وحزب التجمع الوطني الديموقراطي وحزب حركة البناء وغيرها. إلى جانب هذه الأسماء الثلاثة المقبولة، رُفضت ملفات 16 مرشحاً بدعوى عدم استيفائها شروط القانون العضوي الخاص بالانتخابات الرئاسية.
الأسبوع الماضي، صرَّح أيضاً المدير العام للشؤون القانونية والقضاء الدستوري بالنيابة أحمد ابراهيم بوخاري لوسائل الإعلام الوطنية، قائلاً إن عملية استقبال طعون الراغبين في الترشح للرئاسة، والذين رُفضت ملفات ترشحهم من السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات متواصلة، وإنه قد تمّ إحصاء 4 طعون حتى الآن، لكن هذا المسؤول لم يحدّد أسماء ثلاثة من مقدّمي هذه الطعون، واكتفى بذكر اسم واحد فقط هو زعيم حزب التحالف الجمهوري بالقاسم ساحلي، الذي ينتظر القرار النهائي للمجلس الدستوري بالقبول أو بالرفض، علماً أن هذا الأخير برَّر طعنه في النتيجة التي توصلت إليها عملية الفرز بكونه قد جمع 649 استمارة خاصة بالمنتخبين المحليين موزعة على 47 ولاية (محافظة)، وهذا يعني في تقديره أنه حصل على أكثر من 600 استمارة يشترطها قانون الانتخابات الرئاسية الجزائرية.
ينبغي التذكير هنا بأن النتائج التي أسفرت عنها دراسة ملفات المرشحين للانتخابات الرئاسية الجزائرية المقبلة، قبل النظر في الطعون المقدّمة، أقصت 16 ملفاً، منها ملف كل من رئيسة الكونفيدرالية العامة للمؤسسات الجزائرية سعيدة نغزة، والمحامية زبيدة عسول، ولا أحد يدري حتى الآن إذا قدّمتا طعنيهما أم لا.
واللافت للانتباه هو أن معظم المرشحين الآخرين للانتخابات الرئاسية المقبلة غير معروفين في الجزائر العميقة، وحتى على مستوى سطح المشهد السياسي الجزائري، كما أنهم لا يُصنّفون ضمن المعارضة، وجراء ذلك فإن ترشحهم هو مجرد تظاهرة شكلية لا طائل من ورائها، كما يرى مراقبون سياسيون جزائريون يتابعون من كثب تطورات عملية التحضير الجارية للانتخابات الرئاسية الجزائرية.
بالنظر إلى ضعف الأسماء المرشحة، فضلاً عن هشاشة أحزابها، فإنه يبدو واضحاً أن الطريق سالكة للرئيس تبون، ولا يمكن بأي حال أن يفوز عليه مرشح حزب القوى الاشتراكية يوسف أوشيش، ومرشح حركة مجتمع السلم (حمس) عبد العالي حساني شريف، وحتى مرشح التحالف بالقاسم ساحلي، إذا قبل المجلس الوطني الدستوري الطعن الذي تقدّم به. ويعتقد المراقبون السياسيون الجزائريون أن المشكل الراهن في المشهد السياسي الجزائري يتمثل في غياب الأسماء السياسية الوازنة التي يمكنها أن تصنع الفرق وتُحدث المفاجأة، إذا تمّت الانتخابات في جو من الشفافية والديموقراطية، وذلك لأسباب عدة، منها أن شحنة الغضب الشعبي على النظام الجزائري انطفأت، خصوصاً بعد تفكّك الحراك الشعبي الذي لم يفرز قيادة لها وزن وفاعلية وقدرة على تحويل نفسها إلى قطب سياسي وطني مؤسس على مبادئ، وله مشروع تحرير الجزائر من التخلّف بكل أشكاله، وجراء تشظّي ما كان يُدعى أحزاب المعارضة الراديكالية التي "أكلت" بعضها بعضاً ولم تعد لها أرضية مشتركة، وفضلاً عن ذلك أصيبت بالكساح السياسي بعد تخلّي مؤسسيها عنها بشكل لا رجعة عنه.
لم يعد، مثلاً، حزب القوى الاشتراكية متماسكاً عقائدياً وتنظيمياً وبنية بشرية على المستوى المركزي، وفي الجزائر العميقة، حيث تخلّى منذ زمان بعيد عن العقيدة اليسارية ذات المحتوى الاشتراكي، والدليل على ذلك أن جميع البلديات التي فاز بها في الانتخابات البلدية والولائية لم تشهد أي تسيير اشتراكي متطور. وزيادة على ذلك، فإن هذا الحزب أصبح "يتيماً" بعد وفاة زعيمه المؤسس التاريخي حسين آيت أحمد الذي قدّم بدوره كثيراً من التنازلات التي أضعفت موقف حزبه.
في الوقت نفسه، تفكَّك حزب القوى الاشتراكية إلى فرق ونحل، وبذلك انقسم على نفسه وأصبح كريم طابو، الذي ترك هذا الحزب وأسّس حزباً لم يتمّ الاعتراف به حتى الآن، أقرب إلى المحرّض السياسي منه إلى الشخصية القيادية التي يمكن أن تستقطب الأجيال الجديدة، التي ما فتئت تبحث عن رمز لها يقودها إلى برّ الأمان.
أما أمين عام حزب القوى الاشتراكية يوسف أوشيش، فلا يتمتع بالشهرة السياسية في الجزائر العميقة، لأنه أقرب إلى الإداري منه إلى المناضل السياسي الكاريزمي والقيادي.
ويمكن وصف حزب حركة مجتمع السلم (حمس) بالأوصاف نفسها، وإن اختلف عن حزب القوى الاشتراكية بكونه ذا نزعة إسلامية وسطية تقليدية بلا مشروع عصري يمكن أن "يغري" ملايين الشباب في الجزائر العميقة.
من جهة أخرى، فإن حزب التجمع من أجل الثقافة والديموقراطية (إرسيدي)، الذي يعتبره المراقبون السياسيون الجزائريون جهوياً ونخبوياً، تحرّكه الزعامة الفردية الموروثة عن مؤسسه الدكتور سعيد سعدي الذي تخلّى عنه منذ سنوات، وأصبح الآن يزاوج بين العمل التجاري وبين حرفة كتابة مذكراته وبعض المؤلفات ذات الطابع التاريخي الشللي.
ويُلاحظ، أنه عندما انسحب سعدي من الحياة السياسية، كزعيم لحزب التجمع من أجل الثقافة والديموقراطية، ترك وراءه عدداً من الأعضاء المؤسسين معه لذلك الحزب، وأصبح بعضهم أكثر ملكية من النظام الحاكم الذي كانوا يعارضونه سابقاً. وبذلك، التحق بعض من هؤلاء بالحكومة ومختلف أجهزة الدولة كما حصل، مثلاً، لخليدة تومي التي تخلّت عن المعارضة ونالت عن ذلك مكافأة الرئيس بوتفليقة بمنصب وزيرة الثقافة مدة 12 سنة، وانتهى بها المطاف في سجن الحراش بتهمة الفساد المالي. وهناك أيضاً العربي مقران الذي ما فتئ يشدّ خيط معاوية ليوصله حيناً بالنظام الحاكم وأحياناً ببعض المعارضين الذين كانوا بالأمس القريب جزءاً عضوياً من ترسانة الحكم.
في هذا المناخ اختفت المعارضة كوجود سياسي مؤسس على أخلاقيات المبادئ، وصار المواطنون يرون حالياً أن الرئيس تبون هو المعارض لكل هؤلاء المتلونين، وللعصابة التي هشّمت الحياة السياسية الجزائرية بتكريس الرئيس الأوحد الممثل في الماضي القريب جداً في شخص عبد العزيز بوتفليقة وجماعته. وعلى هذا الأساس يؤول مراقبون سياسيون جزائريون كثيرون عدم قبول الرئيس تبون الترشح للرئاسة كممثل رسمي لهذا الحزب أو ذاك، على أنه أشبه بقراءة الفاتحة على أحزاب المناسبات التي كرّست طواحين "الكلام الحزبي" الذي لم يعد يأخذه الشعب الجزائري على محمل الجد.