حدثان مهمّان انشغل المصريون بملاحقة تداعياتهما خلال الأسبوع الماضي، الأول يتعلق برفع أسعار المحروقات بعد سلسلة من الارتفاعات في سلع وخدمات أخرى أرهقت المواطن وجعلته ينتظر سياسات مختلفة من الحكومة الجديدة، والآخر تصريحات رئيس الحكومة الدكتور مصطفى مدبولي بشأن شكوى المصريين من ارتفاع أعداد اللاجئين وتأثيرهم على الأوضاع الاقتصادية وارتفاع الأسعار، والمخاوف من تغييرات طرأت على هوية أحياء ومدن تحولت إلى أماكن لتجمّع غير المصريين.
ولا يمكن الفصل بين التطورين. فعلى مدى سنوات ظلّت الحكومات المتعاقبة تتهم فئات الشعب بعدم الاستجابة للمناشدات بتنظيم الأسرة وتحديد النسل، بينما اعتبر محلّلون وخبراء اقتصاديون أن فشل سياسات وقرارات الحكومات في استغلال الطاقة البشرية واستيعاب الزيادة في المواليد وتدني مستوى البرامج التي اتبعتها الحكومات لتنظيم الأسرة واعتماد خطط متطورة لتوزيع السكان، هي الأسباب الحقيقية وراء أزمات ومشاكل ضربت الاقتصاد المصري، وأثّرت تداعياتها على مستوى المعيشة، وتسبّبت في عجز المسؤولين عن اعتماد حلول جذرية للأزمات الاقتصادية المتلاحقة.
لاحظ المصريون أن مبررات حكومة مدبولي لارتفاع الأسعار عموماً والمحروقات والسلع الأساسية خصوصاً تدور دائماً حول الظروف الدولية والإقليمية، وكذلك الزيادة المضطردة في المواليد وتجاهل المواطنين حملات تحديد النسل وتنظيم الأسرة، بينما تتجاهل الحكومة في الوقت نفسه اتخاذ إجراءات للحدّ من تدفق اللاجئين لتخفيف الأعباء على المواطن المطلوب منه تحديد النسل!
وردّ رئيس الحكومة مدبولي على سؤال بشأن شكاوى المصريين من توافد العديد من الجنسيات على مصر، رافضاً وصفهم باللاجئين، وقال بالتحديد "إن الضيوف جزء من قوة مصر ومكانتها، لأنها المقصد والملجأ للكثيرين، والدولة المصرية محورية وهذا قدرنا وهم ضيوف مصر"، مشدّداً على أنهم "جزء من قوة ومكانة مصر، فهي المقصد والملجأ لهم"، ونوّه بأن القرارات الاستراتيجية الخاصة بالدولة المصرية "تقوم على عدم وضع اللاجئين أو الضيوف في أماكن محدّدة أو معسكرات مثلما تفعل دول أخرى، فضيوف مصر يندمجون داخل الدولة ويستفيدون من المزايا نفسها التي يتمتع بها المواطن المصري"، لافتاً إلى أن "ما يتمّ اتخاذه من إجراءات هو تقنين أوضاع الضيوف من خلال اتباع الإجراءات والمنظومة القانونية السليمة التي تضعها الدولة المصرية ويلتزم الجميع بها". وتابع: "ومن لا يلتزم بإجراءات الدولة المصرية يجري اتخاذ إجراءات ضدّه، مثل المواطن المصري، طالما بياخد نفس الحقوق يبقى عليه نفس الواجبات والالتزامات"، مشيراً إلى أن "ضيوف مصر بعضهم ضخ استثمارات وشغّل مصريين وساهم في نمو الاقتصاد المصري".
ربما الصدفة جعلت كلام مدبولي يأتي في المؤتمر الصحافي الذي خُصّص لشرح أبعاد وأسباب ومبررات زيادة سعر المحروقات، إذ أعلنت لجنة تسعير المنتجات البترولية قبل المؤتمر بساعات زيادة أسعار البنزين بأنواعه والسولار والمازوت الصناعي، فزادت أسعار البنزين بنسبة تصل إلى 15%، ليرتفع سعر بنزين 95 إلى 15 جنيهاً لليتر، وبنزين 92 إلى 13.75 جنيهاً لليتر، وبنزين 80 إلى 12.25 جنيهاً لليتر. وتمّ رفع سعر السولار إلى 11.50 جنيهاً لليتر، بدلاً من 10 جنيهات، والكيروسين إلى 11.50 جنيهاً لليتر. وبينما جرى تثبيت سعر المازوت المورّد للكهرباء والصناعات الغذائية، ارتفع سعر المازوت المورد لباقي الصناعات إلى 8500 جنيه للطن.
صحيحٌ أن الدولة المصرية شهدت تطوراً كبيراً في البنية التحتية وإنجازات غير مسبوقة في الطرق والأنفاق والجسور والمدن الجديدة واستصلاح الأراضي، وإضافة مئات الآلاف من الأفدنة إلى الرقعة الزراعية، وكذلك إعادة هيكلة مدن وأحياء وقرى ومناطق أثرية وأحياء عشوائية جرى تحويلها إلى مناطق حضارية، لكن ضغوط الحياة واستفحال الأزمة الاقتصادية يجعلان المواطن ذاته لا يجد الوقت أو الروح أو الظروف التي تسمح له بالاستمتاع بالإنجازات والمشروعات العملاقة. ولا يطلب المواطن المصري أكثر من الشفافية في التعامل الحكومي مع ملف اللاجئين، وقليل من التأني بشأن قرارات رفع الأسعار، فحتى الآن لا يخرج من المسؤولين سوى مبررات عامة من دون الأرقام والحقائق أو الإعلان عن خطط التعاطي مع ذلك الملف مستقبلاً، إلى درجة أن الرقم الدقيق لأعداد اللاجئين الموجودين في مصر الآن غير معروف، كما أن الإيقاع السريع لمعدلات رفع الأسعار يفوق قدرة المواطن على التحمّل.
ولا يمكن الفصل بين المطالبات الشعبية بتعامل أكثر انضباطاً وصرامة وجدّية مع قضية اللاجئين، وبين الارتفاعات المضطردة في أسعار السلع والخدمات، حتى أن المواطن الذي كان يئن من وطأة رفع أسعار المحروقات باغته إعلان زيادة جديدة تصل إلى 20% في الكهرباء، قبل أن يستوعب دفاع رئيس الحكومة عن استقبال "الضيوف"، بل مناشدة الجماهير عدم التحدث عنهم بصفة لاجئين أو الشكوى من تأثيرهم على الأحوال الاقتصادية.
صحيحٌ أن الأزمة الاقتصادية والزيادات في الأسعار تمنح تنظيم "الإخوان" الإرهابي مناخاً يسمح لمنصاته بمواصلة الحملات التي تستهدف تسخين المجتمع بشكل مستمر، لكن الواقع على الأرض يشير إلى أن مرور الأيام والأسابيع والشهور، حتى مع بقاء الأوضاع الحالية على حالها وشكاوى المواطنين من ضغوط الحياة من دون حدوث مشاكل أمنية، نتيجة لوعي المواطنين وإدراكهم أخطار "الإخوان" ومؤامراتهم، كفيل بإنهاك "قوى الشر" وإفقادها ما لديها من آليات تستخدمها في سعيها إلى إحداث انهيار في البلاد، ونشر الفوضى في ربوع مصر.
نعم في مصر أوضاع ملتبسة وظروف صعبة وأخطاء تقع وجدل يدور بشأن الاقتصاد ومعضلاته، لكن أغلبية المصريين يعتبرونه الثمن الذي يتعيّن عليهم سداده لحفاظهم على بلدهم من السقوط ونجاة دولتهم من التفكك والانهيار.