يندرج الصاروخ الذي قتل مجموعة من الأطفال والمراهقين الدروز في بلدة مجدل شمس الواقعة في الجولان السوري المحتل في سياق التصعيد الإيراني في المنطقة. يلتقي هذا التصعيد مع رغبة إسرائيلية مماثلة يعبّر عنها بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة الإسرائيلية الذي يسعى بدوره إلى الاستفادة قدر الإمكان من حال الفراغ السياسي التي تعاني منها الولايات المتحدة. يستغلّ "بيبي"، إلى أبعد حدود، كون الولايات المتحدة مقبلة على انتخابات رئاسية ذات طابع في غاية الأهمّية في الخامس من تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل. في انتظار موعد الانتخابات صارت إدارة جو بايدن مشلولة.
بغض النظر عمّا إذا كان الصاروخ الذي أطلقه "حزب الله" من الأراضي اللبنانية سقط في مجدل شمس، كان عن طريق الخطأ أم لا، يبقى أن الحرب الكارثية التي جرّ إليها الحزب لبنان جرّاً في ضوء حسابات إيرانيّة، دخلت مرحلة جديدة.
الأكيد أنّ إسرائيل ستردّ على المجزرة التي ارتكبت في مجدل شمس التي رفض أكثرية أهلها الجنسية الإسرائيلية وتمسكوا بأنّهم مواطنون سوريون. يعود ذلك إلى أنّ الدولة العبريّة التي تعتبر الجولان أرضاً إسرائيلية منذ ضمتها إليها رسمياً في العام 1981، تجد في ما فعله "حزب الله" ومن خلفه إيران فرصة. إنّّها فرصة مناسبة لتأكيد أن الجولان أرض إسرائيلية بالفعل وأن الأطفال والمراهقين الذين قتلوا مواطنون إسرائيليون وليسوا مواطنين سوريين.
لا يمكن عزل التصعيد الإيراني في الجولان عن أجواء عامة تسود المنطقة في ضوء استمرار حرب غزّة والحروب الإيرانية المرافقة لتلك الحرب، أكان ذلك عبر جنوب لبنان أو سوريا أو العراق... أو اليمن.
فقبل ساعات من مجزرة مجدل شمس، هدّد "حزب الله" للمرّة الأولى بضرب حقل كاريش الذي ينتج الغاز لإسرائيل. تبدو الرسالة الإيرانية من خلف هذا التهديد واضحة كلّ الوضوح. فحوى الرسالة أن إيران كانت وراء ترسيم الحدود البحرية اللبنانية – الإسرائيلية بما يخدم إسرائيل ومصالحها وأنّ في استطاعتها خرق الاتفاق الذي وقعه ميشال عون قبيل نهاية عهده وتحويله إلى ما يشبه القرار الرقم 1701 الصادر عن مجلس الأمن، كما في استطاعتها توسيع حرب غزّة ساعة تشاء وكما تشاء من لبنان وغير لبنان.
في النهاية، كيف ستردّ إسرائيل على التصعيد الإيراني، الذي من جوانبه، استهداف الدروز في الجولان المحتل عن قصد أو غير قصد، كما يقول الذين يحاولون تبرير ما قام به "حزب الله" في محاولة هؤلاء الهرب من الحقيقة والواقع. الواضح أنّ الردّ الإسرائيلي ليس همّاً إيرانياً بأي شكل. ما الذي تخسره "الجمهوريّة الإسلاميّة" في حال دمرت إسرائيل ما بقي من البنية التحتية اللبنانية وما بقي من اقتصاد في لبنان؟ لن تخسر إيران شيئاً ما دام لبنان يتحمل كلّ الخسائر، ومعه اللبنانيون من كل الطوائف والمذاهب والمناطق، خصوصاً أهل جنوب لبنان حيث دمرت إسرائيل قرى عدّة مثلما دمرت غزّة.
ما المطلوب من وراء قصف مجدل شمس، وهو قصف يسعى النظام السوري إلى تجاهله من منطلق أنّه لم يسع يوماً إلى استعادة الجولان المحتل منذ العام 1967 حين كان حافظ الأسد وزيراً للدفاع؟ هل الجولان المحتل ضمانة لاستمرار النظام السوري الأقلوي الذي قام عملياً في 23 شباط (فبراير) 1963 والذي صار واقعاً بعدما سيطر حافظ الأسد على سوريا في تشرين الثاني (نوفمبر)1970؟
ليس مستبعداً أن يكون هناك هدف آخر من قصف مجدل شمس، عن قصد أو عن غير قصد، مرّة أخرى. الهدف تأديب دروز سوريا الذين رفضوا أن يكونوا أداة طيعة في يد النظام وأن يكونوا مجرّد أقليّة تابعة له. قاوم دروز سوريا في محافظة السويداء، وما زالوا يقاومون، النظام والميليشيات الإيرانيّة المنتشرة في الجنوب السوري، على الرغم من كل المساعي الهادفة إلى تخوينهم. ثمّة غضب لدى النظام الأقلوي في سوريا بسبب رفض الدروز الانضمام إلى الحرب الشعواء التي يشنها بشّار الأسد بدعم إيراني وروسي على الشعب السوري منذ آذار (مارس) من العام 2011.
يبدو مطلوباً معاقبة دروز سوريا، أكانوا في الجولان المحتلّ أو في الجنوب السوري على موقفهم الوطني الذي يصبّ في حماية وحدة سوريا. لا يبدو أنّ هناك تفسيراً آخر للهجوم الوحشي الذي تعرضت له مجدل شمس. هذا هجوم لا شكّ أن إسرائيل ستسعى إلى الاستفادة منه إلى أبعد حدود، فيما ستسعى إيران إلى استغلاله على طريقتها، أي اثبات أنّ لديها أوراقاً عدّة لا يستطيع أي طرف، بما ذلك أميركا، تجاهلها لدى البحث في مرحلة ما بعد غزّة ومستقبل المنطقة...