بين استهداف القائد العسكري الكبير في "حزب الله" فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية لبيروت عصر الثلاثاء، وبعدها بساعات اغتيال رئيس المكتب السياسي في حركة "حماس" إسماعيل هنية في طهران، دفعت إسرائيل مجدداً المنطقة إلى وضع لم تعد ثمة حاجة فيه للسؤال هل ستنشب حرب إقليمية؟ بل متى ستنشب؟
رفع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مستوى التحدي، ليس أمام "حزب الله" و"حماس" فحسب، ومن قبلهما حركة "أنصار الله" الحوثية في اليمن عبر قصف خزانات النفط في الحديدة، بل أمام إيران أيضاً وسائر قوى "المحور".
بذلك، نقل نتنياهو معركة استعادة الردع الجارية منذ عشرة أشهر في غزة إلى الإقليم، برهان واحد: إن إسرائيل مستعدة لحرب مفتوحة على جبهات متعددة من إيران إلى اليمن ولبنان، وإن الخطوط الحمر التي كانت سارية قبل ضربة الضاحية الجنوبية، قد سقطت كلها وصولاً إلى طهران.
اغتيال هنية بعد ساعات من تولي الرئيس الإيراني الإصلاحي مسعود بزشكيان مهمات منصبه رسمياً رسالة بعناوين عدة. ليست "حماس" وحدها المقصودة، بل إيران وقيادتها التنفيذية الجديدة التي وضعت على محك الاختبار باكراً. في ليلة 13-14 نيسان (أبريل) الماضي، اندلعت المواجهة المباشرة الأولى بين طهران وتل أبيب بإطلاق إيران مئات الصواريخ والمسيّرات على إسرائيل، وشاركت الولايات المتحدة وبريطانيا في صد معظمها. هل يتكرر المشهد نفسه الآن في وقت تدرس القيادة الإيرانية "الرد" على الاغتيال؟
التصعيد الإسرائيلي نسف مفاوضات وقف النار المثقلة أصلاً بشروط جديدة وضعها نتنياهو، ترقى إلى مستوى الطلب من "حماس" الاستسلام، كما تحدث في الكونغرس الأميركي. كما أنه نقل المعركة إلى قلب إيران التي شيطنها، على وقع تصفيق متكرر من المشرّعين الأميركيين.
ما قيل عن فتور ووجه به نتنياهو خلال مقابلته الرئيس الأميركي جو بايدن ونائبة الرئيس كامالا هاريس التي في طريقها لتصير مرشحة الحزب الديموقراطي للرئاسة بعد أيام، قابله رئيس الوزراء الإسرائيلي بالهجوم إلى الأمام عبر إضرام النيران الإقليمية، وهو يعلم مسبقاً أن الإدارة الأميركية، أي إدارة أميركية، لن تقف مكتوفة اليدين إذا اشتعلت الحرب، وستهرع إلى الدفاع عن إسرائيل. وقالها وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن صراحة من قاعدة عسكرية في الفيليبين، إنه إذا هاجم "حزب الله" إسرائيل، فإن الولايات المتحدة ستدافع عنها.
لكنّ هناك سؤالاً أساسياً عمّا إذا كان نتنياهو يسعى إلى جر إدارة بايدن في أشهرها الأخيرة إلى حرب جديدة في الشرق الأوسط، بما ينعكس على حظوظ هاريس في انتخابات تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل.
زاد نتنياهو الوضع المعقد في المنطقة تعقيداً. ولم تعد المسألة متعلقة بمفاوضات لوقف النار في غزة، كان هنية شريكاً فيها، بل انتقل الحديث إلى المستوى الإقليمي: كيف سترد إيران على الاغتيال الذي حدث على أراضيها؟ وكيف سيرد "حزب الله" على استهداف قائده العسكري الكبير؟ وكيف سيرد الحوثيون على قصف الحديدة؟
يعتقد نتنياهو أن الضربات الأخيرة، من الحديدة إلى الضاحية الجنوبية إلى طهران، تحقق له المكاسب السياسية في الداخل في ظل تآكل شعبيته بعد الإخفاق في 7 تشرين الأول (أكتوبر) في مواجهة هجوم "حماس" على غلاف غزة. وهذا زعيم المعارضة يائير لابيد يشيد بالضربات. وبعد عشرة أشهر من الحرب، أخفقت إسرائيل في الوصول إلى زعيم "حماس" في غزة يحيى السنوار، مهندس هجوم 7 تشرين الأول (أكتوبر)، بينما لا يزال الغموض يكتنف مصير قائد "كتائب عز الدين القسام"، الجناح العسكري لـ"حماس" محمد الضيف عقب الغارة الإسرائيلية على جنوب قطاع غزة في الشهر الماضي.
بعد هذه التطورات، فقد الحديث الأميركي عن بذل مساعٍ لحل دبلوماسي على الحدود بين لبنان وإسرائيل جدواه. ويقول وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت: "لا نريد حرباً، لكننا مستعدون لكل الاحتمالات".
طبول الحرب الإقليمية تقرع بقوة على يد إسرائيل.