أكتب هذه المقالة أثناء متابعة منافسات أولمبياد باريس 2024، ولا يسعني التفكير سوى في مدى سعادتي ورضاي باليقين بأنني لن أبلغ مبلغ هؤلاء النجوم من التألّق الرياضي ما حييت!
قبل عامين بالضبط من اليوم، قرّرت العودة إلى صهوة الدراجة الهوائية بعد انقطاع عقدين، فلم أكن ممن تمسّك بالدراجة بعد سنوات الطفولة، ووصل إلى الإجادة والخبرة فيها.
عدت إلى الدراجات الهوائية، فكانت بدايتي بطيئة، حرفياً ومجازياً، نظراً لافتقادي إلى اللياقة البدنية، وهلعي من السقوط والإصابات. كما كنت قد تلمّست خطاي بدراجة رديئة الصنع خوفاً من الاستثمار في أخرى غالية قد يصبح مصيرها الركن جانباً.
ولكني استمتعت بالدراجات أيما استمتاع، وفوجئت بما تحمله من سلام وراحة نفسية، وعثرت فيها على لذة الحركة والنشاط، فواظبت بالفعل على هوايتي الجديدة، وبالتزام وإصرار قلّ نظيرهما، وبإيمان تام بقدرتي على التحسن.
والآن، ومع دخولي عامي الثاني، أزفّ إليكم البشرى السارّة بأني – ولله الحمد - ما زلت بطيئة، بل حلزونية السرعة، وسأظل كذلك. ما زالت المسافات التي أقطعها مُحرجة، وقدرتي على صعود المرتفعات مثيرة للشفقة، وعلى الأرجح ستبقيان كذلك.
ما زلت أقود دراجة رخيصة، وما زلت أنظر بإجلال وإعجاب إلى الدرّاجين المحترفين وشبه المحترفين حين يمرون بمحاذاتي – وسرعان ما يعبروني - بدراجاتهم النحيلة، وأزيائهم البولستيرية، وخوذاتهم ذات الشكل البيضاوي. أؤمئ لهم برأسي، وأبتسم، ولسان حالي يقول: "اسبقوني، فلن ألحق بكم". ولا بأس بذلك.
بسبب الإنترنت، لم تعد الاهتمامات والهوايات أموراً ثانوية للتسلية في حياة المرء، لأننا بتنا محاطين أكثر من أي وقت مضى بأشخاص تألّقوا فيها، وحولوها إلى مصادر للدخل، أو بوابات للفرص، ناهيك عن الرياضيين، وحتى ممارسي ألعاب الفيديو الذين واظبوا على شغفهم منذ الصغر، فنالوا الشهرة والاحتراف. حتى الاهتمامات والمهارات الغريبة، مثل ابتلاع الكميات المهولة من الطعام، لها روادها ومسابقاتها ونجومها في هذا العصر!
بات الحلم هو أن يكتشف المرء هوسه الممتع، ويبرع فيه، فيتخذه سلماً للنجاح.
وذلك أفقد أغلبنا الحرّية في ممارسة هواية ما، أو تبنّي رياضة، من دون أن يصل أبداً إلى مرحلة التفوق، أو التمكّن، أو من دون أن تؤهّله قدراته فيها لتحصيل الدخل، أو الشهرة، أو أي منفعة.
حتى أعترف بأنه حينما خضت تجربة "البودكاست" قبل سنوات مع إحدى الصديقات، وراحت أرقام مستمعينا تتزايد مع مقابلتنا للشخصيات المثيرة للاهتمام، واستعراضنا للقصص الإنسانية الفريدة، كان أول ما سُئلنا عنه "متى يتسنّى لكما جني الأموال؟".
لقد فقدنا حقنا في أن نظل "مه"، وعاديين، ومتوسطي الحال، وغير مميزين، في هذه الهوايات والاهتمامات. أو حتى فاشلين فيها، بصريح العبارة.
ها أنا أشاهد درّاجي الأولمبياد مدركة أنه لم يفتني القطار الأبدي فحسب في مزاملتهم، بل إني لن أدنو منهم أصلاً، ولا حتى في أشدّ أحلامي وردية. وكفى بها من قناعة.