مستندة إلى إرث والدها الشيخ مجيب الرحمن الذي قاد بنغلادش في حرب الاستقلال عن باكستان عام 1971، حكمت رئيسة الوزراء الشيخة حسينة بقبضة من حديد لمدة تجاوزت الـ20 عاماً، وأسست نظاماً استبدادياً في البلد الواقع في جنوب آسيا.
لم تكن حسينة زعيمة حزب رابطة عوامي الذي ورثته عن والدها والمدعومة من الجيش والهند، تتوقع اندلاع ثورة بهذا الحجم عليها، بدأت شرارتها قبل أسابيع باحتجاجات قادها الطلاب ضد قانون يزيد من حصة المتحدرين من نسل قدامى المحاربين، الذين قاتلوا في حرب الاستقلال، في وظائف الدولة.
هذا القرار الذي كان الشرارة التي أشعلت النار في حقل الكبريت البنغالي، رأى فيه المحتجون، مزيداً من الامتيازات لأتباع حزب رابطة عوامي الذي تحول حزباً وحيداً في البلاد ذات الـ171 مليوناً.
كانت حسينة تعامل البنغاليين وكأنهم مدينون لها، بقتل والدها ومعظم أفراد عائلتها على يد مجموعة من رجال الجيش في انقلاب أطاح والدها عام 1975. ونجت حسينة وشقيقتها الأصغر الشيخة ريحانة من المذبحة لأنهما كانتا في ألمانيا. وتصرفت حسينة بصفتها وصية على تاريخ بنغلادش.
وفي المقابل، هناك رواية أخرى للحزب الوطني البنغالي تؤكد أن مؤسس الحزب زوار رحمن الذي تولى الرئاسة بعد قتل نجيب الرحمن، والذي كان ضابطاً في الجيش، هو الذي بدأ انتفاضة الاستقلال عن باكستان في 1971، وليس نجيب الرحمن. أي أن البنغاليين مختلفون حول أبوة الاستقلال.
والاحتجاجات التي انفجرت قبل أسابيع، كانت أيضاً تعبيراً عن الاستياء المتراكم والمعتمل في نفوس البنغاليين من فوز حسينة بولاية خامسة في الانتخابات التي أجريت في كانون الثاني (يناير) وقاطعتها المعارضة بكل أطيافها، ومن طريقتها في إدارة البلاد.
لقد قمعت حسينة الحزب البنغالي الوطني والجماعة الإسلامية وبقية الأحزاب الأصغر. وانتشرت أعمال القتل خارج القضاء على نطاق واسع، وجرى التضييق على الحريات وعلى وسائل الإعلام.
وسعت رئيسة الوزراء إلى استيعاب صدمة الاحتجاجات، فتراجعت عن قانون كوتا الوظائف لأقارب قدامى المحاربين. لكن الاحتجاجات لم تتوقف على رغم سقوط المزيد من المتظاهرين، ما أسس لحالة ثورية عارمة بدأت تطالب بتنحي حسينة.
وربما كانت النصيحة الأخيرة التي تلقتها رئيسة الوزراء البالغة من العمر 76 عاماً من قائد الجيش الجنرال وقر الزمان، هي ركوب مروحية والفرار بها مع شقيقتها من مقرها إلى الهند، بينما كان المحتجون على أبواب مقر رئاسة الوزراء. وبذلك تكون حسينة قد نجت مرتين في حياتها.
أقامت حسينة علاقات متوازنة بين الهند والصين والغرب، في محاولة منها لعدم مطالبتها بالإفراج عن المعارضين الذين ألقت بهم في السجون وفي مقدمتهم زعيمة الحزب البنغالي الوطني الشيخة خالدة ضياء. وقضت حسينة على محاولة رجل الأعمال محمد يونس الحائز جائزة نوبل عام 2007، من أجل تأسيس حركة سياسية جديدة في البلاد وكسر احتكار حزب عوامي للسلطة.
كرة النار صارت الآن في حضن الجيش، الذي طالب المحتجين بالوثوق به وبمنحه بعض الوقت لإعادة ترتيب السلطة في البلاد، وسارع إلى إطلاق خالدة ضياء من السجن.
بخلع حسينة من السلطة، ربما يطوى فصل من تاريخ بنغلادش ويبدأ آخر، في بلد يتمحور اقتصاده على مصانع النسيج التي رفعت نسبة النمو إلى 7 في المئة. لكن الكثيرين من المواطنين لا يزالون محرومين من الكثير من مقومات العيش، فضلاً عن الكبت السياسي.
الغليان الذي تعيشه بنغلادش التي بدت منسية في يوم من الأيام في خضم انشغال العالم بالحروب الدائرة في أوروبا وفي الشرق الأوسط وأفريقيا، لن يبرده سوى الإسراع في وضع خريطة طريق نحو قيام حكم مبني على التعددية الحزبية، ويتجاوز إرث حسينة.
وبقدر ما يظهر المشهد كئيباً والمستقبل مظلماً، فإن في إمكان الثورة التي اندلعت في وجه نظام ظالم أن تمهد الطريق نحو بنغلادش مستقرة وتعددية وقائمة على احترام الإنسان وتوفير العيش الكريم له. وهذا أضعف الإيمان.