تومي روبنسون (41 عاماً)، واسمه الحقيقي ستيفن ياكسلي - لينون، "أزعر" بريطاني استثنائي. غادر المدرسة باكراً من دون شهادة. طُرد من عمله الأول لاعتدائه جسدياً على شرطي في عام 2003. ومن يومها، احترف التطرّف وصناعة الكراهية، كما دأب على الاشتباك بالأيدي مع خصومه، أو حتى رفاقه أحياناً على طريقة أعضاء عصابات المافيا. تورط في أعمال شغب وعراك بسبب كرة القدم، وأيّد "البريكست" بحماسة وعارض لقاحات "كوفيد". يركّز جهوده على بريطانيا، وله صولات وجولات في أوروبا وكندا وأميركا.
يتمثل أحد جوانب تميّزه في حقيقة أنه صار كاتباً، مع أنه بالكاد يفكّ الحرف! وقّع مؤلفات ليس فقط عن حياته التي زعم أنه كتب سيرتها تحت عنوان "عدو الدولة" (2015)، بل أيضاً عن فلسفة الإسلام الذي اتخذه عدوه اللدود منذ بدأ حياته المهنية الجديدة. ويدّعي أنه يخرج ويُعدّ أفلاماً وثائقية وتقارير، إذ يعرّف عن نفسه بأنه "صحافي". بيد أن أهمّ صفة انتحلها حتى الآن هي صفة المناضل في سبيل حرّية التعبير وحماية البلاد من غزو المهاجرين وعنف المسلمين. وأسس في سياق "نضاله" المزعوم عدداً من الأحزاب أبرزها "رابطة الدفاع الإنكليزية" التي توقفت عن العمل.
يشغل الإعلام البريطاني وبعض الأوروبي والأميركي منذ اندلاع أعمال الشغب في إنكلترا في أواخر تموز (يوليو) الماضي. يتحدث عنه كير ستارمر، رئيس وزراء بريطانيا، من دون أن يسمّيه، ولا يكفّ وزراء ونواب عن ترديد اسمه. وغدا سبباً غير معلن للتراشق بالاتهامات بين شخصيات مثل ستارمر والملياردير إيلون ماسك، بسبب سماح الأخير للمتطرّفين العبث بأمن بريطانيا من خلال منصته "إكس" المسماة سابقاً "تويتر".
ولتومي مئات الآلاف من المتابعين على "إكس". منشوراته هناك مليئة بالشتائم البذيئة والإنكار. تارة يشكو بمرارة وقوف الشرطة والمؤسسة والساسة والأحزاب والإعلام... ضدّه، وتارةً أخرى يتحول شعور الضحية إلى إحساس متغطرس بصواب مواقفه، لأنه هو الوحيد على حق وجميع من عاداه مخطئون! وتتجلّى طبيعته هذه بوضوح أكبر في أشرطة الفيديو، حيث يبدو مضطرباً يغلب الهياج على صوته ولغة جسده، كمن يعاني من خلل حقيقي في شخصيته. وهذا يُذكر بتوصيف الإعلامي بيرز مورغان له، بأنه مصمم على "إثارة الكراهية مثل مجنون متعصب".
مع ذلك، فهو يحرّك، كما يبدو، آلاف البريطانيين ممن يستجيبون لتحريضه ويشنّون حملة غير مسبوقة ضدّ المسلمين والملونين واللاجئين، غير عابئين بالعقوبات الصارمة التي تهدّد بها الحكومة مثيري الشغب. بين أنصاره مراهقون مغرّر بهم، وزعران يرفعون أيديهم بالتحية النازية وأجسادهم مغطاة بوشوم الصليب المعقوف ووجه روبنسون نفسه. كثيرون منهم سجناء سابقون، كـ "بطلهم" الذي ارتكب جرائم ومخالفات عدة، وحُكم عليه 6 مرات بالحبس لفترات أطولها 18 شهراً، وتنتظره أحكام أخرى بعد عودته من "منفاه" في منتجع آيا نابا القبرصي الفاخر، حيث يتمتع بشمس المتوسط ويضرم من هناك الحرائق في بلاده.
نظّم أكبر تظاهرة عنصرية في تاريخ لندن الحديث في 27 تموز (يوليو) الماضي، سار فيها نحو 30 ألف شخص. وقبل ذلك بسنوات، ترشح لانتخابات البرلمان الأوروبي في عام 2019 بشمال إنكلترا، وفشل فشلاً مهيناً في الفوز بالمقعد وجاء ثامناً. ورفضت "أمازون" بيع كتابه المليء بادعاءات مغرضة عن الإسلام، كما قاطعته كل منصات الوسائط الاجتماعية، بما فيها "تويتر" الذي حظّره 5 سنوات انتهت حين قرّر ماسك صاحب المنصة الجديد إعادة تفعيل حسابه في 2023. ونفر منه "رفاق" الدرب. مثلاً، وصفه النائب نايجل فاراج، زعيم حزب "الإصلاح"، سابقاً بـ "المجرم"، ويتجاهله على الرغم من تودّده الدائم له، وتأييده في الانتخابات الأخيرة بقوة.
لا شك في أن هناك الكثير من نظريات المؤامرة التي تزين صورة روبنسون أو تشوهها، كما هي الحال مع كل شخصية مثيرة للجدل. لكن هناك أدلة كافية لتأكيد صحة ما يذهب إليه إعلاميون وسياسيون، عن مجافاته بشكل متعمّد، وساذج أحياناً، للحقيقة في معظم ما يقوله أو ينشره.
والمثال الأبرز على ذلك، تشدّق روبنسون بادعاءات رخيصة حول الإسلام، وزعمه أن المسلمين سبب كل علة صغيرة أو كبيرة. وهو في ذلك يشبه من يحاولون استغلال نزعة معاداة السامية البغيضة كسلاح ضدّ خصومهم أفراداً أو هيئات، من قماشة "محكمة العدل الدولية" أو "المحكمة الجنائية الدولية"!
وبينه وبين هؤلاء الذين يتسلّحون بهذه النزعة علاقة ودّ، على الرغم من أنه عُرف بتعاونه مع عنصريين أُدينوا بمعاداة السامية! ويتجلّى تأييد الصهاينة له في سيل الرسائل المنشورة في حسابه على "إكس"، وملايين الدولارات التي يتلقّاها منهم على شكل "مساعدات"، بحسب مصادر مختلفة. مثلاً، ذكرت صحيفة "الغارديان" أن جهات أميركية صهيونية "تبرّعت" له بسخاء، أبرزها مركز البحوث المسمّى "ملتقى الشرق الأوسط" الذي قدّم له 60 ألف دولار. و"وظّفه" الملياردير روبرت شيلمان في عام 2017 براتب شهري بلغ نحو 6400 دولار، كما "تبرّع" له "مركز ديفيد هوروفيتز للحرّيات" و"رابطة مكافحة التشهير". وهذا ما يجعله قادراً على عيش حياة مترفة، على الرغم من إعلانه الإفلاس في عام 2021 كي لا يدفع 100 ألف جنيه استرليني غرّمته بها المحكمة لتجنّيه على مراهق سوري لاجئ.
جوانب قصوره، على مختلف المستويات، واضحة وضوح الشمس. فكيف وصل إلى هذا المستوى من النفوذ بحيث صار يقود، بالتعاون غير المباشر مع سياسيين وإعلاميين ومؤثرين، هذه الحشود التي تعمل تخريباً في البلاد؟ إنه لم يصنع هؤلاء الزعران، بل كانوا هكذا. غير أنه يتمتع بمهارة في التحريض على العنف والكراهية وفي تلفيق الأخبار، والجرأة وتحمّل نتائج أفعاله من سجن ونبذ وغيرهما. قد يقول قائل إنه يفعل كل هذا دفاعاً عن قوت يومه. لكن، الأرجح أنه يبحث عن المال لا اللقمة. وكثيراً ما يُثري بيع الأكاذيب!