لم تعد إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تملك كثيراً من الوقت. وإذا لم تحثّ الخطى نحو إرغام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على القبول بوقف النار، سيتعيّن عليها، لا محالة، التعامل مع حرب إقليمية واسعة وتبعاتها على أميركا والعالم.
حرب يختارها نتنياهو بالتوقيت المناسب له، وبالتوقيت القاتل بالنسبة إلى إدارة بايدن، لأنها تأتي في ذروة الحملات الانتخابية الرئاسية في الولايات المتحدة. ولن يخدم التورط العسكري في الشرق الأوسط حملة الديموقراطيين ومرشحتهم المفترضة للرئاسة كامالا هاريس، بينما سيكون المرشح الجمهوري دونالد ترامب مستعداً لتكرار مقولته الشهيرة: "لو كنت في البيت الأبيض لما نشبت مثل هذه الحرب أصلاً".
في الأساس، تأخّرت أميركا كثيراً في ممارسة الضغط الدبلوماسي الفعلي لوقف الحرب، وبقي البيت الأبيض مثلاً غير مقتنع بوقف النار حتى الأشهر الأخيرة، ومنح نتنياهو الفرصة تلو الفرصة كي يواصل الحرب التي دفع المدنيون الفلسطينيون الثمن الأكبر فيها، بينما كانت الجبهات من لبنان إلى اليمن تزداد سخونة إلى الحدّ الذي بات فيه على الولايات المتحدة أن تحشد أساطيلها مجدداً، ليس للردع فحسب وإنما قد تجد نفسها في خضم الاشتعال الكبير.
مهمّة بايدن الآن الاستفادة مما تبقّى من وقت قبل الانتخابات للتوصل إلى وقف للنار. ومهمّة نتنياهو تبديد الوقت حتى لا يتمّ التوصل إلى وقف للنار قبل الانتخابات الأميركية. الكرة في الملعب الأميركي أكثر من أي مرّة في الأشهر العشرة الأخيرة.
استمرار الحرب يعني هزيمة الديموقراطيين في الانتخابات، وفشلاً ذريعاً لما يدّعيه بايدن من إرث سياسي كبير على مدى سنوات خدمته في الكونغرس وصولاً إلى البيت الأبيض. ويُضاف إليه، أن تراخيه مع نتنياهو سيتسبب بخسارة الديموقراطيين للبيت الأبيض وعودة مظفرة لترامب.
فهل بايدن مستعد الآن لفعل ما لم يفعله على مدى عشرة أشهر، فيأمر (ولا يطلب من) نتنياهو وقف النار "الآن"، وأن يسلك مسلك رؤساء أميركيين مارسوا ضغوطاً قوية على إسرائيل لحملها على التراجع عن سياسات كان يرى هؤلاء أنها لا تخدم المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة؟ هكذا فعل دوايت أيزنهاور في عام 1956، ورونالد ريغان في عام 1982، وجورج بوش الأب في عام 1992.
إن المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة اليوم على المحك في حال لم تسارع إلى وقف حرب غزة، والحرب الإقليمية إذا ما نشبت لن يكون فيها رابح سوى التنظيمات الجهادية التي ستعيد تنشيط خلاياها، مستفيدة من الفوضى التي ستنجم عن هذه الحرب. والغزو الأميركي للعراق في عام 2003 تلته فوضى قادت إلى صعود "القاعدة" ومن بعدها "داعش" في العراق وسوريا ودول أخرى في المنطقة، فكم بالحري حرباً واسعة النطاق تضع الولايات المتحدة في مواجهة مباشرة مع إيران؟
الوقت صار عاملاً ضاغطاً على بايدن كي يغيّر نهجه، وإلّا ستنعكس تبعات التوترات الإقليمية على أميركا نفسها. وعندما تسحب أميركا حاملة طائرات من بحر الصين الجنوبي على عجل لتنشرها في الشرق الأوسط، يعني أن الولايات المتحدة لن يكون في إمكانها التركيز على آسيا ومواجهة الصعود الصيني هناك، وفق ما تنص عليه الوثائق الاستراتيجية للأمن القومي الأميركي.
يعود الشرق الأوسط ليملي على الرؤساء الأميركيين سلوكهم، وليس العكس. كل هذا كان يمكن تجنّبه، لو أن بايدن قال "لا" لنتنياهو، وليس أن يقول نتنياهو "لا" لبايدن ويستثمر ذلك في السياسة المحلية بوصفه الزعيم الإسرائيلي الوحيد القادر على مقاومة رئيس أقوى دولة في العالم.
لم يعد أمام بايدن سوى مهلة بالأيام والأسابيع قبل الانفجار الكبير الذي تلوح أشباحه فوق المنطقة. ولا يحتمل الوقت تأجيلاً آخر. التأجيل سيعني أن نتنياهو انتصر مجدداً، أو أن بايدن لا يريد فعلاً إنقاذ أميركا من حرب أخرى!