النهار

الكلاب السّائبة تنغّص على التّونسيين حياتهم
أسامة رمضاني  
المصدر: النهار العربي
سجلت منذ بداية العام في تونس تسع وفيات نتيجة الإصابة بداء الكلب لدى الإنسان، وذلك بعد وفاة شاب الأسبوع الماضي إثر تعرضه لخدوش من هرة مصابة بالفيروس. قبله توفي ثمانية أشخاص في حوادث عض من كلاب و قطط سائبة.
الكلاب السّائبة تنغّص على التّونسيين حياتهم
كلاب سائبة في أحد شوارع تونس
A+   A-
يصف العديد من خبراء الصحة والبيطريين في تونس الوضع الناجم عن تزايد الإصابة بداء الكلب بأنه "كارثي"، بل إن البعض يرى فيه "مشكلة أمن قومي".

كثيرون من عامة التونسيين مصدومون من تفاقم داء الكلب وبلوغه مستوى غير مسبوق منذ عقود، في وقت يكاد ينقرض هذا الداء في بقية بلدان العالم.

سجلت منذ بداية العام في تونس تسع وفيات نتيجة الإصابة بداء الكلب لدى الإنسان، وذلك بعد وفاة شاب الأسبوع الماضي إثر تعرضه لخدوش من هرة مصابة بالفيروس. قبله توفي ثمانية أشخاص في حوادث عض من كلاب وقطط سائبة.

المثير للانشغال أن نسق الوفيات وانتشار الفيروس ما فتئ يتطور تطوراً تصاعدياً. فمن حالة واحدة سنة 2020 بلغ عدد الوفيات خمس حالات سنة 2022 ثم ست حالات سنة 2023.

تزايد حالات الوفاة يعني توسع رقعة العدوى الحيوانية. ويخشى البيطريون اليوم من انتقال فيروس الكلب إلى حيوانات أليفة أخرى مثل القطط والأبقار والماعز والخيول، ما يمثل تهديداً للثروة الحيوانية وزيادة في خطر العدوى للبشر.

السبب الرئيسي لتفاقم الوضع هو تضافر ظاهرتين: تكاثر عدد الكلاب السائبة وتكدس الفضلات في المناطق السكنية. والظاهرتان مرتبطتان بتدهور الخدمات البلدية.

تقدر السلطات العدد الإجمالي للكلاب في البلد بمليون و300 ألف كلب من بينها 420 ألف كلب مملوك والبقية سائبة. وتقتات الكلاب السائبة من الفضلات المنزلية المكدسة في  الشوارع والأحياء السكنية. يستمر الوضع منذ سنوات إلى حد أن الكثيرين تعودوا على وجود النفايات على حافة الطريق حتى أضحوا لا يرونها.
 
يتهم بعضهم المواطن نفسه بعدم تحمل مسؤوليته كاملة. فهو وإن كان يحب الكلاب والقطط فإنه لا يتولى تعقيمها أو تطعيمها بانتظام. وتقول الأرقام الرسمية إن هناك 20 في المئة من الكلاب والقطط المملوكة من الأسر لا تتلقى تطعيماً. وكثيراً ما يتخلص المواطن من الجراء في الطريق العام بعد ولادتها.

ودرءاً للوفيات تواصل السلطات حملات تحسيسية مكثفة لحث المواطنين على تلقي العلاج الوقائي اللازم بعد أي حادثة عض أو خدش يتعرضون لها، باعتبار أن فيروس الكلب يصبح قاتلاً بعد ظهور أول أعراضه. ومع ذلك ما زال البعض يسهو عن ذلك.

وتوفر السلطات الحكومية للمواطنين الذين يربون كلاباً في بيوتهم ما لا يقل عن 190 مركزاً للتطعيم على كامل تراب البلاد، كما تنظم حملات سنوية للتلقيح والتعقيم.

ولكن الكلاب السائبة تبقى باستثناءات قليلة خارج دائرة التطعيم والتعقيم. وقد عجزت البلديات عن التوصل إلى حلول من أجل تطعيم الكلاب وتعقيمها، ما يجعلها مضطرة للتخلص من الكلاب السائبة بقنصها بالتعاون مع المصالح الأمنية، وإن كان ذلك لا يحل المشكلة حقيقة بالنسبة إلى البلديات التي تعوزها الإمكانيات المادية والبشرية لإقامة المآوي وفتح المراكز الكافية لتعقيم الكلاب السائبة. كما أن ذلك يثير احتجاجات المدافعين على الحيوانات وهي احتجاجات مفهومة ومشروعة وإن كان المدافعون عن حقوق الحيوان أنفسهم يقرون بأن تعميم عمليات التعقيم الذي لم يبدأ بعد سوف يحتاج إلى سنوات عديدة من الجهد المتواصل. بل إن حل مشكل الكلاب السائبة ووقف انتشار داء الكلب يتطلب تطعيم 80 في المئة من الكلاب بانتظام.

في الأثناء وبالإضافة إلى الخطر الذي تمثله على سلامته، تعكر الكلاب السائبة صفو حياة التونسي. فهي تجعل دخوله بعض المناطق، بخاصة في الليل، مغامرة غير مأمونة العواقب. وهي تجبره على تغيير مسار طريقه عند قضاء حاجاته مترجلاً وترغم من يهوى رياضة المشي على أن يبحث عن مسارات آمنة أو أن يجد له هواية أخرى.

تشكل مشكلة الكلاب السائبة وتراكم الفضلات تهديداً مباشراً لقطاع السياحة أيضاً. ووضع تونس بهذا الخصوص ليس بعيداً عن تركيا التي صادق برلمانها أخيراً على قانون لمواجهة مشكلة الكلاب السائبة. وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في معرض دفاعه عن هذا القانون إن المسألة أصبحت تهدد قطاع السياحة في بلاده "حتى أن بعض الدول بدأت تحذر مواطنيها من خطر داء الكلب والكلاب الضالة قبل سفرهم إلى تركيا"، بحسب قوله.

وفي خضم الأزمات المتعددة التي تواجهها تونس، ليس من المؤكد أن يصبح موضوع الكلاب السائبة أولوية لدى السلطة، رغم تزايد المخاوف لدى الرأي العام من الظاهرة.

لكن الصحة الحيوانية ليست مسألة هامشية، فهي عامل حيوي بالنسبة إلى صحة الإنسان، كما أن لها انعكاساتها على الأمن الغذائي، بخاصة أن البيطريين في تونس يشيرون، بالإضافة لانتشار داء الكلب بين الثدييات، إلى تفشي مرضي الحمى القلاعيّة والحمى المالطية ضمن قطعان الأبقار والماشية.

يتطلب حل مشكلة الكلاب السائبة وضمان الصحة البشرية والحيوانية تدخلاً عاجلاً من السلطات وتحمل البلديات مسؤولياتها على صعيد إزالة النفايات.

ولا يمكن ويجب ألا يتعود التونسيون على تدهور جودة حياتهم في مدنهم وأحيائهم.

ويجب ألا تتحول الحيوانات الأهلية ومنها الكلاب والقطط إلى خطر بعدما كانت دوماً رفيقاً أميناً للتونسي. ومثلما تظهر ذلك لوحات الفسيفساء الرومانية في تونس كانت الكلاب عبر التاريخ جزءاً من أنشطة الصيد والزراعة. وكانت الكلاب خلال العشرية الماضية سنداً لقوات الأمن في مقاومة الإرهاب.

لكن إهمال البيئة على مدى السنين جعل الحيوانات الأليفة تلتحق بقائمة المنغصات التي تواجه التونسي كل يوم وتنزع عن شوارع بلاده جانباً من جمالها وسكينتها.
 

اقرأ في النهار Premium