تُحَل المشكلات بالاستناد إلى المعلومات والآراء والتحليل. ولأن التحليل لا يأخذ حقه من الفهم والنقاش فينبغي التوقف ملياً عند التفكير التحليلي.
فهو إحدى الأدوات أساسية لحل المشكلات واتخاذ القرارات الرشيدة. غير أن التفكير التحليلي يتطلب مجموعة من المهارات مثل جمع المعلومات، والتنظيم، والتفكير النقدي للوصول إلى نتيجة تحليلية مقبولة. لأن ما بني على باطل فهو باطل.
حتى يمكن الوقوف على أرضية صلبة من التحليل لا بد أن يستوفي معايير مثل الوضوح، والدقة، والمنطقية، والعمق، والاتساق، والشمول، والإنصاف. فكيف أستند كمتخذ قرار إلى تحليل متحامل أو أفكار متضاربة أو نتيجة لا تمتّ إلى العقلانية بصلة؟
ولذلك أي عملية تفكير تحليلي لا تجمع فيها البيانات الضرورية، تصبح هشة. غير أن البعض ينسى أن تحليله مرتبط أحياناً بالقدرات الشخصية ومدى تفسير المعلومات والآراء بصورة منطقية لفهم العلاقة بين الكليات والجزئيات.
ومن التحديات التي تواجه التحليل معضلة عدم المقدرة على تحليل الكم الهائل من البيانات. وهي مشكلة عالمية مستفحلة. فمليارات المعلومات التي تلتقطها كاميرات المراقبة لوجوه الناس ومشاعرهم وقراراتهم الشرائية والسلوكية وأماكن وجودهم وأوقات الذروة كلها يمكن أن تسهم في فهم السلوك البشري في الطرق والمتاجر والمرافق العامة. غير أن عدم القدرة على تنظيم تلك "البيانات" وتحويلها إلى "معلومات" يصعب عملية التحليل.
ومن الأمور المهمة في التحليل محاولات التفكير النقدي مثل القدرة على تحديد نقاط القوة والضعف في شتى الحجج والمعلومات المقدمة.
وبشكل عام نستطيع القول بأن لكل تفكير تحليلي معايير في غاية الأهمية في مقدمتها "الوضوح" بحيث يمكن فهم خلاصة النتائج من قبل الآخرين، فضلاً عن "الدقة" في جمع البيانات والمعلومات فما ليس له أساس من الصحة لا ينبغي أن يعول عليه. والتحليل كمفردة يفهم منها "التعمق"، وعندما نغفل هذا الجانب نجد أنفسنا أمام أفكار سطحية لم تأخذ حقها من الجهد.
وهناك مسألة جوهرية لا نراها منتشرة في ثقافتنا العربية وهي "الاتساق" consistency. وذلك حينما نلاحظ غياب الاتساق بين الأفكار والاستنتاجات لنجد أنفسنا أمام فكر مهلهل. فبعض المقدمات لا يمكن أن تقودنا إلى نتائج ذات صلة.
وكلما كان التحليل شمولياً قلل فرصة بروز المثالب. فلا يقبل أن ننتقي معلومات بعينها ونتجاهل أخرى لنتعمد الوصول إلى نتائج مقصودة. فذلك السلوك يجانب صاحبه الإنصاف الذي إن غاب في التحليل خالجت متلقيه الشكوك في مضامينه ونتائجه.
يؤسفني أن كثيراً من مناهجنا الدراسية تخلو من الفكر التحليلي. لا أقصد إشارة هنا وهناك وإنما تمارين عملية تنقل إلى أجيالنا "مهارة" التفكير التحليلي الموضوعي. فإذا غابت الموضوعية حلت محلها السطحية والعاطفة.