النهار

عملة المستقبل تهدّد بتدميره
العنود المهيري
المصدر: النهار العربي
كشف مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية "أونكتاد"، عن تضاعف التنقيب عن "البيتكوين" 34 ضعفاً بين عامي 2015 و2023.
عملة المستقبل تهدّد بتدميره
خبير تقني يتفقد الجزء الخلفي من آلة لتعدين العملات الرقمية (أ ف ب)
A+   A-
يسمع المرء منا بالعملات الرقمية، فيرتسم شعار الدولار على بؤبؤي عينيه جشعاً وطمعاً كما في أفلام الكرتون، ويسيل لعابه، بينما من الحري أن ترتسم الحرائق والفيضانات والدمار، الذي هو مصير هذا الكوكب المسكين.
 
فقد كشف مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية "أونكتاد"، عن تضاعف التنقيب عن "البيتكوين" 34 ضعفاً بين عامي 2015 و2023. وسأترك للقارئ حرّية تشكيل رأيه حول هذه القفزة الهائلة، وفي ما إذا كان يعتقد بأنها تمثّل قراراً استثمارياً صائباً، أو وهماً وسراباً. 
 
ولكن، لكم أن تتخيّلوا أن كل هذا التنقيب، الذي يجري بواسطة الكمبيوترات بطبيعة الحال، يستهلك 121 تيراواط من الكهرباء في الساعة، ما يعادل – صدّق أو لا تصدّق - استهلاك بلدٍ بحجم الأرجنتين، تبلغ مساحته 2,78 مليون كيلومتر مربع، ويقطنه 46 مليون نسمة! 
 
أي كارثة إيكولوجية أُضيفت إلى الأضرار الإيكولوجية للطاقة بسبب دوران عجلة برامج الكمبيوتر تلك؟ إن الأمر أشبه بتكبيد الكوكب المُثقل أصلاً كُلفة بلد جديد، وشعب كامل.
 
بل، حينما كان معظم التنقيب عن "البيتكوين" يجري في الصين قبل حظره في عام 2021، كانت الكهرباء المستخدمة تولّد من الفحم الرخيص، والشديد الضرر بالبيئة. وبعد الحظر، ولسوء حظنا جميعاً، انتقل الكثير من التنقيب إلى كازاخستان، حيث وُلّدت الكهرباء من الفحم الصلب، والذي يُطلق أعلى معدل من انبعاثات الكربون من بين جميع أنواع الفحم. 
 
باختصار، ما زال التنقيب معتمداً على الطاقة الناتجة من الوقود الأحفوري، فحتى عند استخدام مصادر أخرى مثل الغاز المصاحب للنفط، تكون النتيجة انبعاث غاز الميثان، وهو أحد الغازات الدفيئة، وثاني أكبر مساهم في الاحتباس الحراري.
 
ولأنه لا يمكننا تصوّر حجم الأزمة بلا مزيد من المقارنات المذهلة/المحزنة، فإن "البصمة الكربونية" للتنقيب عن العملات الرقمية تصل إلى 65 طناً مترياً من ثاني أكسيد الكربون سنوياً، أي أنها تعادل بصمة اليونان، بتعداد سكانها البالغ 10 ملايين نسمة. 
 
أما النفايات الإلكترونية الناتجة من كمبيوترات التنقيب عن العملات الرقمية، والتي لا تُعرف بعمرها الطويل، وغالباً ما تنتهي صلاحيتها في غضون 5 سنوات، فهي تعادل ما تنتجه هولندا، بتعداد سكانها البالغ 18 مليوناً، من النفايات الإلكترونية. وإعادة تدوير النفايات الإلكترونية كابوس في حدّ ذاته، لما يستنزفه من الوقت ويتطلّبه من القوى العاملة. 
 
ولزيادة الطين بلّة، فكل هذه الفواتير الإيكولوجية للتنقيب عن العملات الرقمية ستمتد قريباً إلى دول أميركا الجنوبية وأفريقيا، حيث الإقبال المتسارع عليه، لنرى تصاعداً في كل هذه الأرقام المرعبة.
 
نعم، أدرك غرابة أن تنقيباً مجازياً يجري بالكمبيوترات، ولا تُستخدم فيه الحفّارات ولا عصي الديناميت، بات يدمّر الكوكب. يبدو لي أيضا أشبه بسيناريو من أحد روايات أو أفلام الخيال العلمي.
 
ولكن للأسف، هذا هو الواقع الجديد الذي بات علينا إضافته إلى سلسلة عقوقنا ضدّ أمنا الأرض، وتداركه قبل وفاتها، مجازياً وحرفياً.
 
الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium