التصعيد غير المسبوق منذ 8 تشرين الأول (أكتوبر) على الحدود بين "حزب الله" وإسرائيل، تذكير صارخ بأن الحرب الإقليمية الواسعة مرجحة في أي لحظة، وبأن المفاوضات التي ترعاها الولايات المتحدة لوقف النار في غزة، تواجه إخفاقين: هدنة في القطاع وخفض التوترات في الشرق التي أثارها اغتيال إسرائيل القائد العسكري في "حزب الله" فؤاد شكر في 30 تموز (يوليو) في الضاحية الجنوبية لبيروت، ومن بعده بسبع ساعات اغتيال رئيس المكتب السياسي لـ"حماس" إسماعيل هنية في طهران.
ما أعلنه "حزب الله" عن إنجاز "المرحلة الأولى" من عملية الرد على اغتيال شكر، والتي شملت إطلاق 320 صاروخاً ومسيّرة بعضها على أهداف استراتيجية في إسرائيل، بقي ضمن الرد المحسوب، الذي يشير إلى أن الحزب لا يريد حرباً شاملة.
الولايات المتحدة كانت قد أطلقت الجولة الجديدة من المفاوضات في الدوحة والقاهرة لوقف النار في غزة، أملاً في ألا ينفذ "حزب الله" وإيران تهديداتهما بالرد على إسرائيل، كي لا تتدحرج الأحداث إلى حرب شاملة، أيضاً أميركا غير راغبة فيها.
ولهذا، عجلت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، إلى جانب تزخيم دبلوماسيتها نحو التوصل إلى وقف للنار، بنشر حاملتي الطائرات "إبراهام لينكولن" و"تيودور روزفلت" في المنطقة، إلى 30 ألف جندي مدعومين للمرة الأولى بالغواصة الهجومية "جورجيا".
التحركات العسكرية الأميركية كانت غايتها المعلنة هي "الردع" وحماية إسرائيل من أي ضربات انتقامية محتملة توجهها إيران على غرار ما فعلت في نيسان (أبريل) الماضي، عندما أطلقت مئات الصواريخ والمسيّرات رداً على تدمير قنصليتها في دمشق بغارة إسرائيلية ومقتل المسؤول الكبير في "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري الجنرال محمد رضا زاهدي وعدد من مساعديه.
المرحلة التي تلت اغتيال هنية وشكر، دفعت بالمنطقة إلى حافة الهاوية، بحيث جعلت الحرب الشاملة احتمالاً مرجحاً أكثر من أي يوم مضى منذ 7 تشرين الأول. وفي الوقت نفسه، كانت الفرصة الوحيدة لتلافي التصعيد تكمن في تحقيق اختراق على صعيد وقف النار في غزة.
لكن بايدن أخفق في انتزاع تنازل من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في ما يتعلق بمفاوضات وقف النار، ووجه مجدداً ضربة للمساعي الأميركية بالدرجة الأولى، عندما أعلن عقب لقائه وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن الأسبوع الماضي، أن إسرائيل لن تنسحب من محور فيلادلفيا على الحدود بين غزة ومصر، وتتمسك بالبقاء في محور نتساريم الذي يشطر القطاع إلى قسمين، وذهب نحو تصعيد عمليات الإخلاء للسكان الذين بات نحو مليونين منهم محشورين في منطقة لا تتجاوز مساحتها 15 ميلاً مربعاً، ولا يزال مصراً على امتلاك إسرائيل حق استئناف الحرب في أي وقت ترتئيه وبمعزل عن أي اتفاق.
التصعيد على الجبهة اللبنانية بالتوازي مع الجولة الجديدة من مفاوضات وقف النار في القاهرة، يضع الولايات المتحدة مجدداً أمام أوضاع بالغة التعقيد على أبواب الانتخابات الرئاسية الأميركية.
من مصلحة الحزب الديموقراطي أن يتم التوصل إلى وقف للنار في غزة وتفادي تورط أميركا في حرب شاملة. إن استمرار الحرب يزيد من احتمالات هزيمة المرشحة الديموقراطية كامالا هاريس في مواجهة المرشح الديموقراطي دونالد ترامب.
وبينما تقرع طبول الحرب الشاملة، لا يزال ثمة خيط رفيع واه يمكن أن يوقف الاندفاع نحو الحريق، وهو إقناع بايدن نتنياهو بوقف الحرب في غزة. ليست الأساطيل ولا الحشودات العسكرية هي الكفيلة وحدها بخفض التوتر ومنع إيران و"حزب الله" والحوثيين من الرد على إسرائيل.
إن الثمن الاستراتيجي الوحيد الذي يمكن أن يقنع إيران وحلفاءها بالتهدئة، هو وقف الحرب في غزة. حتى الآن، كل المؤشرات تدل إلى أن نتنياهو قرر أن يشعل المنطقة كي يمنع سقوط حكومته. وأسطع دليل إلى ذلك، هو ما يروّجه الإعلام الإسرائيلي عن استعداد للانسحاب من كيلومتر واحد فقط على محور فيلادلفيا. وأتى هذا "التنازل" بعد الاتصال الهاتفي الأخير بين بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلي. هل هذا كاف لإقناع "حماس" بقبول الاتفاق؟