إذا لم تخرج المحاولات الجارية لترميم العلاقات السورية - التركية من سياق الشروط والشروط المضادة، فإنها تبقى محكومة بالجمود وعدم تحقيق اختراق من شأنه خلق ديناميات جديدة تكسر العداء المستحكم بين البلدين منذ عام 2011.
وكلام الرئيس السوري بشار الأسد أمام مجلس الشعب الأحد، عن عدم اشتراطه انسحاباً تركياً من الأراضي السورية للتقارب مع أنقرة، قد يمنح زخماً للجهود العراقية والروسية التي تدفع نحو التطبيع بين سوريا وتركيا.
كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد قال في تموز (يوليو) الماضي إنه قد يدعو الأسد "في أي وقت" لزيارة أنقرة، والبحث في التطبيع. ويومذاك، نُظر إلى كلام أردوغان على أنه لا بدّ من أن يكون نابعاً من اقتناع بأنّ الوقت حان لإعادة العلاقات التركية - السورية إلى طبيعتها، خصوصاً أن الظروف اليوم تغيرت كثيراً عن عام 2011، وأن كل المشاريع التي طُرحت خلال مرحلة ما سُمّي "الربيع العربي" قد باتت من الماضي، وأن بقاء الوضع في سوريا على ما هو عليه اليوم من تقسيم فعلي، وانغلاق للمناطق بعضها على بعض، لا تستفيد منه الحكومة السورية ولا الحكومة التركية.
طبيعة المشاكل في الوقت الحاضر تتطلب مقاربة جديدة للحلّ، وقرار بعض الدول الأوروبية إعادة علاقاتها بشكل أو بآخر مع دمشق، على غرار ما فعلت إيطاليا مؤخراً ومن قبلها قبرص وغيرها، يدلّ على أنّ الأزمة السورية إذا بقيت في مرحلة الجمود، فإن ذلك لا يصبّ إلا في مصلحة التنظيمات الجهادية التي عادت لتطلّ برأسها وتضرب أحياناً في قلب أوروبا، على غرار ما جرى في مدينة زولينغن الألمانية في الأسبوع الماضي، عندما قَتل شاب ينتمي إلى تنظيم "داعش" ثلاثة أشخاص طعناً، أو كما حصل عندما قَتل مسلحون من "داعش" عشرات الأشخاص خلال حفل موسيقي في قاعة "كروكس سيتي" قرب موسكو في أيار (مايو) الماضي.
وأي تقارب بين سوريا وتركيا يُفسح في المجال أمام بروز واقع جغرافي وسياسي جديد، يضع الأزمة السورية على طريق الحلّ.
ويمكن أردوغان أن يستفيد من فترة الانشغال الأميركي بالانتخابات الرئاسية، كي يقدم على خطوة تعارضها الولايات المتحدة، وتفضل بقاء الضغوط السياسية والاقتصادية على دمشق، علماً أنّ الشعب السوري هو أول المتضررين من "قانون قيصر" للعقوبات، أكثر من الحكومة السورية.
وإذا كان أردوغان يريد حلّ مشكلة اللاجئين السوريين الموجودين على الأراضي التركية، فإن الطريق الأقصر لتحقيق ذلك يكمن في الاتفاق مع الحكومة السورية حول سبل إعادتهم إلى ديارهم.
وحتى الخشية التركية من احتمال قيام حكم ذاتي كردي في سوريا فلن تحلّ إلا بالتعاون مع الحكومة السورية، أكثر مما تعود بالفائدة الاتصالات التي تجري مع الولايات المتحدة في هذا الشأن.
ناهيك عن ذلك، هناك المنفعة الاقتصادية المباشرة التي يمكن أن تجنيها تركيا من إعادة فتح خطوط الترانزيت مع دول الخليج عبر سوريا.
وإذا نجح رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني في مساعيه للتطبيع بين سوريا وتركيا، فيكون قد حقق اختراقاً جيوسياسياً مهماً، ستكون له انعكاساته على كامل الشرق الأوسط.
والعراق من الدول التي تضررت من "الربيع العربي" الذي واكبه صعود "داعش" الذي عاث في العراق وسوريا فساداً، وأعاد القوات الأميركية إلى المنطقة. لذا، من مصلحة بغداد قيام مصالحة سورية - تركية، تساهم في ترسيخ الاستقرار في المنطقة، وتوفر تعاوناً في مكافحة ما تبقى من خلايا للتنظيم المتطرف.
أن يدفع العراق نحو المصالحة السورية - التركية، فإنه يوفّر على المدى البعيد أسساً أمتن للاستقرار الأمني والتعاون الاقتصادي بين بغداد ودمشق وأنقرة، طيّاً لصفحة إقليمية سوداء.