النهار

كورسك تجرّ بيلاروسيا إلى الحرب؟
أسعد عبود
المصدر: النهار العربي
ينظر فلاديمير بوتين إلى بيلاروسيا على أنها جزء من "الأخوة السلاف" التي تضم روسيا وأوكرانيا، ويعتقد أن اتحاد هذه الدول يحقق التوازن مع أوروبا.
كورسك تجرّ بيلاروسيا إلى الحرب؟
زوجان أوكرانيان في موقع هجوم صاروخي بمنطقة أوديسا (ا ف ب)
A+   A-

تهدد المغامرة الأوكرانية في كورسك الحرب الروسية - الأوكرانية بتوسيعها لتشمل أطرافاً أخرى. والحشد البيلاروسي على الحدود مع أوكرانيا يؤشر إلى أن مينسك، حليفة موسكو، قد لا تتأخر في القيام بمناورة معينة، من أجل تخفيف الضغط عن كورسك.  

 

منذ اليوم الأول للتوغل الأوكراني المفاجئ في كورسك في 6 آب (أغسطس) الجاري، برزت أكثر من علامة استفهام حول الدوافع من وراء الإقدام على هذه الخطوة، في وقت تعاني فيه الجبهات في الشرق الأوكراني من نقص واضح في العديد والعتاد، في مواجهة جيش روسي متفوق عدداً وعدة، يتقدم منذ أشهر نحو مناطق استراتيجية في دونيتسك.  

 

ومثلما فاجأ التوغّل الأوكراني روسيا، كذلك استبدت الدهشة بالغرب، الداعم الرئيسي لكييف بالسلاح والمال. وربما لم يكن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يتوقّع أن تتقدم قواته بهذه السهولة في الأراضي الروسية، الأمر الذي لم تتعرض له روسيا منذ الحرب العالمية الثانية. لقد أغرت المكاسب السهلة أوكرانيا لزج المزيد من القوات في الثغرة التي فتحتها في كورسك، لتبلغ السيطرة على نحو 100 بلدة وقرية في عمق يصل إلى 45 كيلومتراً، وتسبب في الجزء الروسي بإجلاء أكثر من 132 ألف مدني من المناطق القريبة من القتال. 

 

ووسط تصاعد هجمات التدمير المتبادل على جانبي الحدود بالصواريخ والمسيّرات، والتي بلغت أعماقاً جديدة ورموزاً جديدة منها منطقة فولغوغراد (ستالينغراد سابقاً) ومدينة أنغلز على مسافة 900 كيلومتر من الحدود الأوكرانية، حشدت بيلاروسيا قواتها على الحدود مع أوكرانيا.  

 

بيلاروسيا وروسيا يقيمان اتحاداً كونفيديرالياً فضفاضاً. ونسج الرئيس الروسي فلاديمير بوتين علاقات استراتيجية مع الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو، الذي يُدين بالفضل لموسكو في إمداده بالمساعدات الاقتصادية، في ظل العزلة والعقوبات التي فرضها عليه الغرب بعد الانتخابات الرئاسية التي أجريت في عام 2020، وقالت المعارضة إنها فازت فيها، بينما تمسك لوكاشينكو بالسلطة على الرغم من احتجاجات شعبية واسعة النطاق.  

 

وينظر بوتين إلى بيلاروسيا على أنها جزء من "الأخوة السلاف" التي تضم روسيا وأوكرانيا أيضاً. وهو يعتقد أن وقوف هذه الدول الثلاث معاً من شأنه تحقيق توازن مع أوروبا. 

 

والحلف السلافي كان جزءاً من أيديولوجية بوتين التي يعمل على تجسيدها منذ وصوله إلى السلطة في عام 2000. بيد أن العلاقات مع أوكرانيا كانت تمر بمراحل صعود وهبوط، إلى أن خلعت التظاهرات الشعبية في "ميدان" كييف الرئيس فيكتور يانوكوفيتش الموالي لموسكو من السلطة في عام 2014، والذي ردّ عليه بوتين بضم شبه جزيرة القرم وبدعم الانفصاليين الأوكرانيين في شرق البلاد، إلى حين اندلاع الحرب الروسية - الأوكرانية في 24 شباط (فبراير) 2022.  

 

جمهوريات كثيرة في مجموعة الدول المستقلة، التي نشأت عقب انهيار الاتحاد السوفياتي، نأت بنفسها عن الهجوم الروسي، واتخذت موقفاً محايداً، وبعضها الآخر اتخذ موقفاً معارضاً مثل أرمينيا، بينما التزمت كازاخستان موقفاً حذراً.  

 

أما لوكاشينكو فكان مؤيداً لروسيا، مع الاحتفاظ بقنوات اتصال مع القيادة الأوكرانية. واستضاف في مينسك جولات حوار بين مسؤولين روس وأوكرانيين في الأشهر الأولى من الحرب، قبل أن تنتقل المحادثات إلى تركيا، ولتتوقف بعد ذلك كلياً.  

 

ولطالما حذّر لوكاشينكو الغرب من مغبّة توسيع الحرب، وتحويلها حرباً بين قوى نووية، ودعا إلى ضرورة سلوك الحوار والتفتيش عن تسوية سلمية.    

 

كورسك فرضت وقائع جديدة في الميدان. وإذا كان بوتين لا يريد سحب القوات الروسية التي تضغط على جبهات دونيتسك حتى لا يحقق الغاية التي من أجلها اجتاح زيلينسكي الأراضي الروسية، فإن الوقت قد حان للاستعانة بلوكاشينكو عبر حشد القوات على الحدود مع أوكرانيا، ما يتسبب بقلق في كييف، ويشغل جزءاً من الجيش الأوكراني.

 

الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium