أليس غريباً أن "الإخوان المسلمين" ومناصريهم وداعميهم والمتعاطفين معهم هم أكثر المحذّرين من جرّ الجيش المصري إلى "المستنقع الصومالي"؟ فالتنظيم نفسه الذي يضرب، على مدى سنوات، في ضباط وجنود الجيش، بكل الطرق والوسائل، يبدو خائفاً على وحدة الجيش وصلابته وقوته!
دعك من انزعاج الجماعة والإحباط الذي أصابها جراء ردّات الفعل الشعبية والتأييد الواسع لوصول طلائع الجيش المصري إلى الصومال. فأي تصرّف إيجابي للرئيس عبد الفتاح السيسي أو الجيش، وأي قرار للحكم، يلقى تأييد الناس وتشجيعهم، يُصيب التنظيم بالإحباط تماماً، كما يدفع الدول المتحالفة مع "الإخوان" والداعمة لهم، وكذلك الجهات الخارجية التي تروّج لهم، إلى تبنّي المواقف التي تهدف من ورائها إلى إفراغ كل تطوّر إيجابي في مصر من مضمونه. ويكفيك الجلوس نصف ساعة أمام القنوات الداعمة للتنظيم الإرهابي ومطالعة منصاتها على مواقع التواصل، لتُصيبك نوبات الضحك من السلوك المتناقض لـ"الإخوان" وحلفائهم.
كان الرئيسان المصري والصومالي قد وقّعا قبل نحو أسبوعين في القاهرة على بروتوكول التعاون العسكري بين البلدين. وفي 20 تموز (يوليو) الماضي، وافق مجلس الوزراء الصومالي على اتفاقية دفاع مشترك مع مصر، في ظلّ محاولات إثيوبية لإنشاء قاعدة بحرية في إقليم أرض الصومال، غير المعترف بها دولياً، الذي أعلن انفصاله عن دولة الصومال قبل أكثر من ثلاثة عقود، لكن الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة لم يعترفا به دولةً مستقلة، ولا تزال الحكومة الصومالية تعتبره جزءاً من أراضيها. واحتضن الإقليم أنشطة عسكرية مشبوهة لدول إقليمية عدة على مدار السنوات الماضية، وأبرم اتفاقاً غير قانوني مع إثيوبيا، يُمكّنها من الحصول على منفذ بحري على ساحل البحر الأحمر، واستئجار شريط ساحلي بطول 20 كيلومتراً لاستخدامه في إقامة "قاعدة بحرية عسكرية ومنفذ بحري على ميناء بربرة، في مقابل الاعتراف باستقلال الإقليم".
الهجوم على وصول قوات مصرية إلى الصومال جرى بتناغم بين "الإخوان" وإقليم أرض الصومال وإثيوبيا، فالإقليم اعتبر أن التحرّكات المصرية "تهدّد بزعزعة أمن واستقرار المنطقة"، وأوضح بيانٌ أن حكومة أرض الصومال "تعترض بشدّة على الانتشار الأخير للقوات العسكرية المصرية في الصومال"، و"أنّ الافتقار إلى التقييم أو الاعتبار لاستقرار وأمن الصومال ومنطقة القرن الإفريقي بأكملها أمر مثير للقلق"، بينما أعربت إثيوبيا "عن قلقها من التشكيل الجديد لبعثة الاتحاد الإفريقي لحفظ الأمن في الصومال" متهمة مقديشو "بالتواطؤ مع جهات خارجية تهدف لزعزعة استقرار إثيوبيا".
في المقابل، القاهرة موقفها معروف ومعلن من جانب الرئيس السيسي، الذي أكّد في أثناء لقائه نظيره الصومالي، أنّ مصر "لن تترك الصومال"، مشيراً إلى أنّ الصومال عضو في الجامعة العربية التي يرتبط أعضاؤها باتفاق للدفاع المشترك. وأكّدت الحكومة المصرية أنّ تصرفاتها "تتمّ في إطار شرعي وتحت مظلّة رسمية، إما بطلب من الحكومة الفيدرالية الصومالية الممثل الشرعي للبلاد، أو من خلال الاشتراك في بعثة حفظ السلام الجديدة التابعة للاتحاد الإفريقي".
وفي رسالة وجّهها وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي إلى مجلس الأمن، أكّد رفض بلاده "الإجراءات الأحادية التي تخالف القانون الدولي والاتفاقيات السابقة، بما في ذلك إعلان المبادئ لعام 2015"، موضحاً أنّ مصر، بعد 13 عاماً من المفاوضات "ترى أنّ إثيوبيا تسعى إلى كسب الوقت فحسب، لفرض واقع على الأرض، من دون نيّة حقيقية للتوصل إلى حلّ". كما أكّد أنّ مصر "ستتخذ جميع الإجراءات اللازمة للدفاع عن أمنها المائي وحقوق شعبها".
لا تستغرب أيضاً الموقف الإثيوبي من مسألة مشاركة مصر بقوات حفظ السلام في إفريقيا عموماً، والصومال خصوصاً، فقضية سدّ النهضة فجّرت الخلافات مع مصر، والرئيس السيسي يصرّ على توقيع أديس أبابا اتفاقاً ملزماً لتقسيم المياه في حوض النيل، يضمن الحفاظ على حصة مصر. لم يطرح الإثيوبيون حلاً لمشكلة إلّا وزادوها تعقيداً، وعلى مدى عقد كامل بذلت أطراف عدة محاولات لمنع تفجّر الوضع بين القاهرة وأديس أبابا من دون جدوى. على الجانب الآخر، هناك الصومال الذي يعاني تداعيات الحلّ الأميركي، وطوال أربعة عقود يحاول لملمة جراحه وأرضه وشعبه، بعدما دمّره الأميركيون الذين ذهبوا إلى الصومال ليحلّوا مشاكله الاجتماعية والسياسية، فأوقعوه في مجمل أزمات، لو توزّعت على قارة لضربت أمنها وأفقرت شعوب دولها. هنا، تستطيع أن تستوعب مدى خسارة "الإخوان" من هدوء الأوضاع في الصومال التي ظلّت سنواتٍ مرتعاً للإرهابيين من "الإخوان" وتنظيمات متأسلمة أخرى. والقصة معروفة، فمأساة ذلك البلد الذي تحوّل على مدى سنوات إلى مصنع للإرهاب يفد إليه الإرهابيون من كل مكان ليتأهّلوا، ثم ينطلقون ليناصروا "إخوانهم" في كل مكان، كانت لدى "الإخوان" أرضاً خصبة لتجنيد العناصر ثم تسفيرهم. والضربة التي وُجِّهت إليهم بوصول قوات مصرية إلى الصومال أطاحت أحلامهم تماماً، كما حوّل الجيش المصري أحلام "الإخوان" إلى كوابيس عظيمة.
عموماً، الخطوة المصرية هي تنفيذ لقرار رسمي من الاتحاد الإفريقي، وباتفاق مع السلطة الشرعية هناك. لكن في سبيلهم للتحريض على الجيش المصري، وليس الخوف عليه، يُسوِّق الإرهابيون لنظرية الاجتياح البرّي لإثيوبيا على خلفية أزمة سدّ النهضة، رغم علمهم أنّها مسألة غير واردة أصلاً لدى القيادة المصرية، التي إن تلقّت نصائح فمؤكّد أنها لن تكون من "الإخوان" أو المحسوبين عليهم أو من حلفائهم أو المستفيدين منهم.
كانت حرب تحرير الكويت آخر المعارك التي شارك فيها الجيش المصري في حرب نظامية، وخاض حرباً أخرى مع عصابات الإرهاب بوسائل وطرق مختلفة عن الحروب النظامية. والشعب المصري موحّد خلف الجيش، وهذا ما يُقلق "الإخوان" وكُتّابهم وحلفاءهم ومناصريهم الذين اتهموا السيسي والجيش بالتخاذل قبل وصول القوات إلى الصومال، ثم نعتوه بالتهوّر بعدها. فليطمئن "الإخوان" ومعهم من ارتدوا "الخوذة" وصاروا خبراء عسكريين يفتون في الحرب ويحذّرون من المستنقع، فمصر لا تبحث عن مغامرة، ولا ترغب في تدخّل عسكري في أي دولة، لكنها ستؤدّى واجبها في محاربة الإرهاب، ولن تترك حدودها مهدّدة من أي طرف أو تنظيمات ظهيرها "الإخوان"، بينما الجيش المصري ظهير لكل الجيوش العربية.