النهار

"معاداة المرأة"... إرهاب موصوف!
عمّار الجندي
المصدر: النهار العربي
ليست هناك وصفات جاهزة للتعاطي مع ظاهرة معقدة مثل "الميسوجينية" في سياق بريطاني أو خارجه.
"معاداة المرأة"... إرهاب موصوف!
امرأة تحمل لافتة كتب عليها "مقاومة كراهية النساء" خلال مسيرة في مونتينيغرو (رويترز)
A+   A-

في دراسة نُشرت عام 2022، لفتت البروفسورة كارون إي جينتري إلى أن "الميسوجينية" (معاداة المرأة) سمة رئيسية لمجموعات أقصى اليمين في أميركا لا تقل خطورة عن معاداة السامية. وأخذت على الباحثين وصنّاع السياسة عدم إعطائها الاهتمام الذي تستحقه نظراً إلى دورها المباشر في تشجيع استخدام العنف ضد المرأة ومكانتها كركن أساسي لنزعة التفوق الأبيض اليمينية. 

 

إيفيت كوبر، التي صارت في أوائل تموز (يوليو) الماضي وزيرة للداخلية البريطانية، بدأت تميز نفسها عمن يهادنون "الميسوجينية"، حينما أعلنت عزمها على التعامل معها باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من الإرهاب. لا يزال من المبكر الحكم على مدى نجاحها بضرب هذا الوباء المستشري في المملكة المتحدة. وقد لا تنجح في إقناع حكومة حزب العمال، ناهيك بنوابه، بضرورة إدانة أعداء المرأة بجريمة الإرهاب. لكن محاولتها تستحق الثناء، خصوصاً في رأي الشرطة التي ترى أنه بات من الملح اتخاذ إجراءات عملية لمكافحة "الميسوجينية".

 

والواقع أن هناك الكثير من الأدلة إلى التقاطع الواضح بين الإرهاب، بأشكاله الفجة، وهذه الظاهرة. مثلاً أندرو تيت، المؤثر الأميركي - البريطاني الذي تباهى غير مرة بأنه "معاد للمرأة" كان في طليعة المروّجين لأكاذيب تتعلق بهوية الإرهابي الذي ارتكب جريمة ساوثبورت في شمال بريطانيا أواخر تموز (يوليو) الماضي، ما فجّر اضطرابات لا تزال المحاكم منكبّة على معاقبة المتورطين فيها. وساهم تأكيد تيت أن قاتل البنات الصغيرات كان "مهاجراً وصل على متن زورق صغير [عبر القنال الإنكليزي]"، بقوة في تحفيز العنصريين على شن هجماتهم العنيفة في أنحاء البلاد. 

 

وكان الرجل قد اتُّهم بنشر سموم الذكورية العنيفة عبر الإنترنت وتلقينها للأجيال الناشئة، كما تعرض للاعتقال والمحاكمة بتهم الاغتصاب والإتجار بالنساء وكسب المال من استغلالهن جنسياً. يبلغ عدد متابعي تيت نحو مليوني إنسان في أنحاء العالم وله باع طويل في بث أفكار عنصرية، والتعاون مع مجموعات منظمة من أقصى اليمين، بحسب منظمة "الأمل لا الكراهية" المناهضة للعنصرية. وقد دعا في العديد من "المحاضرات" التي يقدمها عبر الإنترنت إلى التعامل مع المرأة بعنف جنسي وجسدي بالغ يتجاوز الاغتصاب في بعض الحالات، انطلاقاً من القناعة التي يروج لها عن تفوق الرجل عليها.

 

وهذا التفوق المزعوم يشكل الحجر الأساس في الأيديولوجيا العنصرية التي تزعم أن الرجل الأبيض لا يتفوق على الملون والأسود فحسب، بل أيضاً على المرأة، بصرف النظر عن لون بشرتها. وهو يحتل مكانة جوهرية في منظومة أوهام دعاة "الميسوجينية" التي تشتمل أيضاً على الادعاء أن الرجل مخوّل فطرياً حماية المرأة وتوجيه حياتها وإخضاعها لرغباته. ولا تختلف هذه التخيلات كثيراً عن الأساطير التي يؤمن بها العنصريون أو النازيون الجدد حول تفوقهم على مجموعات "دنيا" ثقافياً أو عرقياً أو دينياً.

 

وقد وثقت بحوث في عام 2022 انتشارها كتعدٍ سافر على قطاع كبير من المواطنات في بريطانيا حيث تقدر نسبة النساء اللواتي يواجهن مضايقات جنسية بـ86 في المئة. وهذا التعدي لم يبقَ دوماً ضمن حدود الظلم العنصري والجنسي، بل وصل في أحيان إلى مستوى الجريمة الجماعية، كما حصل في حادثة بليموث في جنوب غربي إنكلترا التي راح ضحيتها في 2021 ثلاث نساء ورجلان. وارتكبت العشرات من جرائم القتل الجماعي التي استهدفت المرأة خارج بريطانيا في العقود الخمسة الماضية، ومن أشهرها "مذبحة مدرسة بوليتكنيك" (1989) التي ارتكبها مارك ليبان، المولود لأب جزائري وأم كندية، في كوبيك وراح ضحيتها 14 امرأة.

 

ولعل الهيئات الدولية ذات العلاقة قد تأخرت حتى 2018 في تصنيف "المسيوجينية" كنشاط إرهابي يجسد أسطورة تفوق الرجل والرغبة في إنزال عقاب جماعي بصورة عشوائية بالنساء. ومنذ ذلك العام، تبنت مؤسسات معروفة مثل "المركز الدولي لمكافحة الإرهاب" في لاهاي و"الكونسورتيوم الوطني لدراسة الإرهاب والتصدي له" في أميركا و"منظمة الاستخبارات الأمنية الأسترالية" وغيرها، هذا التعريف.

 

هكذا لم تتسرع الوزيرة كوبر في السعي إلى شرعنة هذا الموقف. وسواء استطاعت بلوغ غايتها أم لا، حسبها أنها سبقت الكثيرات في حزب المحافظين المعارض الذي شهدت حكوماته المتعاقبة على امتداد 14 عاماً بروز نساء استفدن كثيراً من معارضتهن الحادة لما يسمى بثقافة الـ"ووك" المعنية بالتنبيه إلى ضياع حقوق المرأة وغيرها من الضحايا ومصادرة حرياتهم. في هذا السياق، تعتبر الوزيرة السابقة كيمي بادينوك، ذات الأصول الأفريقية، من أوفر المرشحين حظاً لخلافة ريشي سوناك على رأس الحزب. وقد ارتفعت أسهمها ارتفاعاً ملحوظاً في السنوات القليلة الماضية مع اشتداد الهجمات التي شنتها ضد الـ"ووك".

 

إلا أن إعلان كوبر الأخير ينطوي على إشكال لا يمكن تجاهله. فالتبني النظري لتوصيف "الميسوجينية" كضرب من الإرهاب شيء، واعتماده عملياً من جانب مشرعين وقانونيين شيء آخر. هناك مستويات مختلفة لهذه النزعة. ومن الصعب البتّ في وجوب اتهام قاض بها لأنه امتنع عن إنزال عقوبة قاسية بشخص تمت إدانته بجريمة الاغتصاب، أو شرطي تقاعس عن واجبه بحماية امرأة تتعرض لاعتداء جسدي أو جنسي. كما أن الإرهاب، هو الآخر مصطلح زئبقي إلى درجة كبيرة. 

 

لكن صعوبة رسم حدود هذا التصنيف لا تقلل من قيمته بقدر ما تستدعي إخضاعه لمزيد من الدراسة وتعديله إن لزم الأمر، وربما البدء بتطبيقه مع أشخاص مثل تيت، ولو على سبيل التجريب. وفي نهاية المطاف، ليست هناك وصفات جاهزة للتعاطي مع ظاهرة معقدة مثل "الميسوجينية" في سياق بريطاني أو خارجه. والتأخر بمعالجتها قد يكون أكثر إيذاءً من إرجاء ذلك حتى يتبلور الأسلوب المناسب بالكامل، وهو أمر لا يتحقق بعيداً عن ميدان التطبيق العملي على أي حال.

 

اقرأ في النهار Premium