أفردت وسائل الإعلام البريطانية حيزاً سخياً منذ أكثر من شهر لنول وأخيه ليام غالاغار (57 و51 عاماً)، في أعقاب الإعلان عن عودة فرقتهما "أواسيس" لموسيقى الروك إلى الحياة في سلسلة من الحفلات بدءاً من تموز (يوليو) المقبل، بعدما كانت في حالة موت سريري منذ 15 عاماً. كأن الصحف والتلفزيونات لم يعد لديها وقت لغزة والانتخابات الرئاسية الأميركية والصعوبات الاقتصادية التي يجدر بالبريطانيين الاستعداد لمواجهتها.. كل هذه باتت ذات قيمة ثانوية مقارنة بحفلات أخوين كانا قبل نحو 35 عاماً "الطفلين - المعجزة". وقد اختلفا دوماً وبصخب على كل شيء تقريباً، ما عدا عشق نادي مانشستر يونايتد، الذي وضعه الشيخ منصور بن زايد نائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة في الطليعة منذ استحوذ عليه في 2009.
نول شاعر الفرقة الأساسي وعازف الغيتار الأول فيها وليام مغنيها الرئيسي، يتبادلان الأدوار أحياناً، فهذا يغني وذاك ينظم الشعر. وهما فنانان "ملعونان" بكل معنى الكلمة. وُلدا في إنكلترا البروتستانتية لأبوين إيرلنديين (كاثوليك) مهاجرين، وطلقت والدتهما أباهما الكحولي وهما في سن مبكرة، كما طُرد كل منهما من المدرسة قبل سن الـ16 عاماً. انصرف نول عندئذ إلى أحلام اليقظة والسرقة، حين سمح له الوقت، فيما أقبل ليام على "الزعرنة" ومتابعة المباريات إلى جانب التدخين وتعاطي الكحول. ومن تلك الأيام، درجا، وخصوصاً ليام، على استعمال كلمات بذيئة في حديثهما اليومي! ثمة عبارات استخدماها في الحديث بالسياسة والموسيقى، مأخوذة مباشرة من لغة الشارع.
لكن الجانب "الزقاقي" من شخصية كل منهما، أفادهما، كما يبدو، على صعيد الشهرة، والبروز في ميدان الروك الذي دخلاه مسلحين بموهبة نضرة أواخر القرن الماضي، في وقت كان لون "غرانج"، أو الروك البديل، الأميركي يهيمن على المشهد الغنائي الإنكليزي.
وأعاد "الملعونان" الاعتبار إلى نمط "بريتبوب" البريطاني الأصيل، الموشى بالحنين والغنائية، في تناقض صارخ مع الحزن والإحباط اللذين عجّ بهما اللون الأميركي. ونهلا صوراً وأنغاماً.. من تراث الستينات الإنكليزي، لا سيما من أغاني البيتلز. وكثيراً ما استعملا اللغة العامية في كلمات الأغاني، ربما وفاءً لنشأتهما المضطربة. كما كانت في قصائدهما لمسات تقربها من مسرح اللامعقول بلغته المفككة، وثرثرته التي تجافي المعنى بصيغته التقليدية.
وقد تكاتفت لغتهما ذات اللكنة الشمالية المميزة، المنفلتة من عقال الرسميات والتهذيب المألوف، مع الشراب والسجائر وربما المخدرات في بعض المراحل، على ترويج أغاني الفرقة بين أبناء الطبقة العاملة التي تتخذ من شمال إنكلترا معقلاً لها وبناتها. وترسخ انتماؤهما إلى هذه الشريحة، بفعل تعلقهما الشديد بكرة القدم، ووفائهما لناديهما الذي كثيراً ما يردد جمهوره ولاعبوه أغانيهما في المباريات والمناسبات المهمة.
والآن يحصدان ما زرعاه في بدايتهما حين أخذت أغانيهما تحقق رواجاً عظيماً بفضل كلماتها وأشعارها البسيطة التي تعلق في الذاكرة، كما هي الحال في أغنيتي "وندروول" و"لا تنظر إلى الخلف بغضب" التي كتبت في معارضة مباشرة مع مسرحية جون أوزبورن المعروفة (1956). وقد تصدرا أصحاب لون "بريتبوب " الغنائي البريطاني بامتياز، ما ساعدهما على تحقيق نجاح تجاري كبير، إذ باعا عشرات الملايين من ألبومي "بالتأكيد ربما" و"روعة صباحية"، اللذين كانا باكورة أعمالهما.
من ناحية أخرى، انطلق الشقيقان في أيام ما يسمى "جيل زد" الذي قاد أبناؤه بين تسعينات القرن الماضي والعقد الأول من الألفية الثالثة، مسيرة التحديث الرقمي وثورة وسائل التواصل الاجتماعي. ومعروف أن هذه التطورات غيّرت مفاهيم التواصل بين الفنان والجمهور وأدخلت تعديلات جذرية على طريقة إنتاج الفن الغنائي وتذوقه والترويج له في البلاد وخارجها. وفي تلك الأيام، صوّتت غالبية الشعب الساحقة لتوني بلير وحزبه "العمال الجديد" في انتخابات 1997 انطلاقاً من الرغبة بإعادة ترتيب البيت الداخلي بعد نحو 18 سنة من حكم المحافظين.
إذاً، هناك مشتركات بين الفترة التي شهدت صعود "أواسيس"، وهذه المرحلة التي تنشد فيها البلاد الخلاص من كوابيس حكم المحافظين 14 عاماً وتبدي اهتماماً منقطع النظير بجولتهما! والحق أن أسعار البطاقات التي تتراوح بين 70 و500 جنيه إسترليني (من نحو 91 إلى 655 دولاراً) وصلت في بعض الأحيان إلى 6000 جنيه إسترليني (نحو 7868 دولاراً). وبالكاد يمكن الحصول عليها!
تعطل موقع شركة "تيكيتماستر" الإلكتروني الأميركية المصرح لها ببيع التذاكر مرات عدة عن العمل تحت وطأة الضغط غير المسبوق. وبدورها أخذت الفنادق منذ الآن تعتذر عن عدم وجود أماكن لديها، فيما حلّقت أسعار الإقامة فيها.
وفي الوقت الذي راح معلقون يتحدثون بالتفصيل عن الأرباح الكبيرة التي ستجنيه صناعات عدة من جولة "أواسيس"، حذر آخرون من أنها قد تؤدي إلى رفع نسبة التضخم في بريطانيا. وأوردوا تكهنات متناقضة أحياناً حول الأرباح الإجمالية. وإذ قدرت "جامعة برمنغهام سيتي" أن الجولة ستعود على الفرقة بنحو 525 مليون دولار من مبيع البطاقات والتذكاريات بأنواعها، تردد أن كلاً من نجمي "أواسيس" سيتقاضى 50 مليون جنيه إسترليني (قرابة 655 مليون دولار) مقابل حفلات الأسبوعين اللذين سيستهلان بهما الجولة. ويرد بعضهم اتفاق "الأخوين العدوين" على العمل معاً من جديد إلى حاجة نول لبعض المال لإغلاق قضية طلاقه من زوجته السابقة الثانية الذي سيكلفه نحو 27 مليون دولار.
اتُهما بلعب دور "هدام"، بسبب تهجمهما على المثليين، وأُخذ على ليام الاستهزاء من منافسيه لكونهم مثليين، على حد زعمه. أما نول فقد أطلق ألقاباً مسيئة على سياسيين معروفين. لكن هذه انتقادات تتبناها أقلية من المراقبين، ولن تشوّه صورة نجمين شقيين.
وقد تتغير أشياء كثيرة في برامج الحفلات ومواعيدها أو حتى أماكن إقامتها.. في الأشهر العشرة المقبلة. وحده الهيام بالأخوين وأغانيهما، باق طويلاً، أقله بفعل "حمّى" عودة "أواسيس" التي تجتاح بريطانيا.