حرب السودان التي مضى عليها أكثر من 500 يوم لا تحظى بالاهتمام الدولي الذي تحظى به حربا غزة وأوكرانيا، على الرغم من أنه نزاع قد يكون أكثر دموية وخطورة على البلد نفسه، وعلى الدول المجاورة.
انتهت المحادثات في شأن السودان في 23 آب (أغسطس) الماضي في سويسرا من دون اتفاق على وقف إطلاق النار، لكن الطرفين المتحاربين التزما ضمان الوصول الآمن ومن دون عوائق، للمساعدات الإنسانية عبر ممرين رئيسيين. وشاركت "قوات الدعم السريع" في الجلسات، بينما اعترض الجيش السوداني على صيغة المحادثات. لكن المبعوث الأميركي الخاص للسودان توم بيريلو أكّد أن الوسطاء كانوا على اتصال منتظم مع الجيش عبر الهاتف.
وسبق لطرفي النزاع أن أجريا جولات من المباحثات في مدينة جدة السعودية، تمّ الاتفاق خلالها على احترام المبادئ الإنسانية والسماح بدخول المساعدات التي تشتد الحاجة إليها، من دون التمكّن من تحقيق اختراق جدّي أو الاتفاق على وقف مستدام لإطلاق النار.
وبحسب إحصاءات أوردها تقرير لمجلة "إيكونوميست" البريطانية قبل أيام، فإن 10 ملايين نسمة، أي خِمس السكان، أُرغموا على النزوح من منازلهم خلال الحرب، وإن مجاعةً تلوح في الأفق قد تكون أكثر كارثية من المجاعة التي اجتاحت إثيوبيا في ثمانينات القرن الماضي. وهناك تقديرات بأن 2,5 مليون شخص قد يلاقون حتفهم بسبب الجوع بحلول نهاية العام. كما يواجه نحو 25 مليون سوداني، أي أكثر من نصف عدد السكان، "انعداماً حاداً للأمن الغذائي"، وفق تقرير مدعوم من الأمم المتحدة في حزيران (يونيو) الماضي.
هذان التصوران المرعبان، يرتّبان مزيداً من المسؤولية على دول الجوار والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، لتكثيف تحركاتها من أجل فرض وقف للنار على طرفي النزاع: الجيش السوداني بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وقائد "قوات الدعم السريع" الفريق محمد دقلو المعروف بـ"حميدتي".
هناك 7 دول مجاورة للسودان مرشحة للتأثر بالحرب، تبلغ مساحتها 21% من مساحة أفريقيا، ويقطنها 280 مليون نسمة. ومع استعار الحرب، يتدفق اللاجئون إلى تشاد ومصر وإثيوبيا وليبيا، ومتوقع أن يصل المزيد من اللاجئين السودانيين الفارين من الحرب إلى أوروبا، في وقت تشكّل مسألة الهجرة ملفاً ساخناً ومثيراً للجدل في فرنسا وألمانيا وإيطاليا وهولندا، وتساهم في تغيير المشهد السياسي في هذه الدول، وتساعد في الصعود غير المسبوق لأحزاب اليمين المتطرّف، وتغذي التيارات العنصرية والكارهة للأجانب.
السودان مفتوح أيضاً على البحر الأحمر والقرن الإفريقي الذي تتركز الأنظار عليه مع هجمات الحوثيين على السفن التجارية في مضيق باب المندب، ومن شأن استفحال النزاع السوداني أيضاً إزكاء نيران التوتر في المنطقة.
وهذا العامل من بين الأسباب التي تجعل ملحّاً البحث عن تسوية توقف النزاع في السودان. وحتى انزلاق السودان إلى تقسيم بحكم الأمر الواقع، كما هو حاصل اليوم، سيدفع إلى نشوء أزمات جديدة في الإقليم، وربما ما هو أبعد. وكلما تحوّل السودان إلى مرتع للفوضى، زادت احتمالات تحوّله إلى ملاذٍ آمنٍ للجماعات المتطرّفة، علاوة على التحوّل إلى ساحةٍ لحرب بالوكالة بين روسيا وأوكرانيا.
يستلزم هذا جهداً عاجلاً لخفض التصعيد بين الطرفين المتحاربين، مقدمة للتوصّل إلى اتفاق على وقف النار، ومن ثم الدخول في محادثات برعاية إقليمية ودولية، سعياً إلى تسوية سياسية تعيد السودان إلى الحكم المدني، وتخرجه من الدائرة المفرغة القاتلة التي يدور فيها الآن.
الولايات المتحدة نفسها التي تتحمّل جزءاً من المسؤولية في ما آلت إليه الأوضاع في السودان، يتعيّن عليها الانخراط في مساعٍ أكثر جدّية، وممارسة الضغوط على طرفي النزاع، من أجل وقف القتال والانخراط في عملية سياسية.