نشبت الحروب الأهلية الأميركية الدامية (1861-1865) بُعيد صراع داخلي بين الولايات الشمالية (الاتحاد) والولايات الجنوبية (الكونفيدرالية) راح ضحيته نحو 800 ألف شخص، وهو ما يتجاوز ضحايا كل حروب أميركا. كان الدافع الرئيسي للحرب الخلاف على العبودية وحقوق الولايات. كانت الولايات الجنوبية تدعم نظام العبودية وتعتبره جزءاً أساسياً من اقتصادها الزراعي، بينما كانت الولايات الشمالية تسعى إلى إلغاء العبودية لاعتبارات إنسانية واقتصادية، إذ كان اقتصادها أقوى ويتمحور حول الصناعة والتجارة، وكان العمال هناك يعارضون العبودية.
المفارقة أن تلك الحرب التي أطلقت عليها تسمية "حرب الإخوة"، شارك فيها أشقاء ضد بعضهم بعضاً، مثل ما رُوي عن قصة أخوين، انضم الأخ الأكبر منهما إلى الاتحاد والأصغر إلى الكونفيدرالية. بعد المعارك الدامية كانا يجتمعان ليلاً ليتشاركا وجبة العشاء ثم يعودان إلى ساحات القتال! وهذا يعني أن في وسع الإنسان العمل لهدف أسمى قد لا يشاطره إياه أقرب المقربين ولا يفسد ذلك للود قضية.
مشكلة عدم تقبل الاختلاف تبدأ جذورها من داخل الأسرة قبل المدرسة ومحيط الأصدقاء. وذلك حينما يسمع الابن ازدراءً وتحقيراً وسخريةً مستمرة تجاه آخرين، فتتشكل لديه ميول إقصائية، تجعله عاجزاً عن استيعاب "المختلف". وما هو سيئ في سلوك أسرتك قد يكون دافعاً قوياً لتجنبه. فالمرء عندما يشهد في بيته تصرفات يندى لها الجبين، قد يختار الاتجاه المعاكس، أملاً في أن يكون شخصاً أفضل في المجتمع، في محاولة للهروب من شبح الانحطاط الذي يطارده.
قبول الاختلاف أمر لا مفر منه، في غرفة الاجتماعات، والعلاقات، وحتى في التربية. فحينما يأتي طفل يحمل جينات عدوانية، ليس لأحد الوالدين سبب فيها، فنحن أمام معضلة تقبل هذا المختلف واحتوائه. والاختلاف ليس محصوراً في الآراء، فهو يأتي في طباعنا وتصرفاتنا وأشكالنا... وكذلك جيناتنا.
في ريعان الشباب، يمضي المرء وقتاً طويلاً لتغيير من حوله، ثم يكتشف في سن النضج أنه كان أولى بالتغيير. لن يتغير الناس ما لم يقرروا التغيير. ولذلك يقول تعالى في محكم كتابه: "إن الله لا يغيّر ما بقوم حتّى يغيّروا ما بأنفسهم". وتقول إرشادات السلامة في الطائرة: ساعد نفسك قبل أن تساعد الآخرين.