اجتازت المرشحة الديموقراطية للانتخابات الرئاسية الأميركية كامالا هاريس بنجاح أقسى اختبار لها في السباق إلى البيت الأبيض، عندما صمدت في المناظرة التلفزيونية الأولى ليل الثلاثاء أمام المرشح الجمهوري دونالد ترامب، وحولت النقاش في أكثر من ملف من الاقتصاد إلى الإجهاض والهجرة والسياسة الخارجية، لمصلحتها.
قدمت هاريس نفسها للأميركيين شخصية قوية وقادرة على انتهاج خط منفصل إلى حد كبير عن الرئيس جو بايدن، والذهاب بعيداً في سياسة مستقلة تنشد التغيير. ولم يستطع ترامب حشرها في الزاوية التي يريدها، أي بجعلها تبدو كأنها مرشحة الوضع الراهن.
قالت هاريس جازمة: "من الواضح أنني لست جو بايدن، ومن الواضح أنني لست دونالد ترامب. وما أقدمه هو جيل جديد من القيادة لبلادنا، جيل يؤمن بالممكن، وجيل يحقق شعوراً بالتفاؤل".
ولئن لم يفت ترامب أن المناظرة لم تسر بالطريقة التي كان يتمناها، فإنه صب جام غضبه على المحاورين اللذين أداراها في مدينة فيلادلفيا من شبكة "إيْ بي سي" الأميركية للتلفزيون، واعتبر نفسه أنه كان يتناظر مع ثلاثة أشخاص، وليس شخصاً واحداً.
الأداء القوي لهاريس في فيلادلفيا أنسى الأميركيين، ومنهم الديموقراطيون خصوصاً، الأداء السيئ لبايدن في المناظرة التي أجراها مع ترامب في مدينة أتلانتا في 27 حزيران (يونيو) الماضي واستضافتها شبكة "سي أن أن". تلك المناظرة أصابت الديموقراطيين بصدمة بعدما ظهر فيها بايدن رجلاً يعاني تراجعاً في القدرات الصحية والذهنية، ودفعت كوادر في الحزب وفي مقدمهم رئيسة مجلس النواب السابقة نانسي بيلوسي، إلى الطلب من بايدن التنحي عن السباق الرئاسي، وإلا فإنه يقود الديموقراطيين إلى خسارة البيت الأبيض ومجلسي الكونغرس.
تنازل بايدن مكرهاً عن حقّه في الترشح كونه يملك الأغلبية الكاسحة من المندوبين في الانتخابات التمهيدية. وحتى تاريخ الإعلان عن انسحابه من السباق الرئاسي، كان بايدن لا يزال يؤمن بقوة أنه الشخص الوحيد في الحزب الديموقراطي القادر على إلحاق الهزيمة بترامب، على الرغم من أن استطلاعات الرأي لا تقول ذلك.
صحيح أن هاريس كانت نائبة لبايدن، لكنها كانت تقيم في ظلال الرئيس ولم تقم بأي دور يعتد به خلال ثلاثة أعوام ونصف العام. ومنذ إعلان بايدن تزكيته هاريس بديلاً منه، تماسك الحزب الديموقراطي مجدداً بعد صدمة أتلانتا، وبدأت نائبة الرئيس تطلّ على الأميركيين الذين كانوا ولا شك يريدون أن يعرفوا المزيد عنها، واستفادت من زخم المؤتمر الديموقراطي في شيكاغو في الشهر الماضي لتحرز تقدماً في استطلاعات الرأي على بايدن على المستوى الوطني، قبل أن تتراجع في الأيام الأخيرة إلى موقع شديد التنافس مع ترامب. ولا بد من أن تساعدها المناظرة الناجحة في استعادة التفوق نوعاً ما على المرشح السابق، تساعدها في ذلك تغريدة المغنية تايلور سويفت على تطبيق "انستغرام"، التي سارعت بعد المناظرة إلى إعلان التأييد لها، ما استفز الرئيس التنفيذي لشركة "تسلا" للسيارات الكهربائية إيلون ماسك الداعم القوي لترامب.
لا يزال الطريق طويلاً أمام هاريس، والأميركيون في حاجة إلى معرفة المزيد من قدراتها في القيادة، وترامب لن يفوت سانحة للنيل منها سواء بالتهجمات الشخصية أو بتحميلها مسؤولية السلبيات في إدارة بايدن.
مع ذلك، يمكن الاستنتاج بسهولة أن هاريس خطت الخطوة الأولى على طريق المواجهة الجدية في انتخابات لا تقلق الأميركيين وحدهم، بل تنظر الدول الحليفة والمتخاصمة مع الولايات المتحدة على حد سواء بكثير من التوجس إلى ما يمكن أن يفرزه الخامس من تشرين الثاني (نوفمبر) من نتائج ستحدد مصير أميركا والعالم أيضاً، من الصين إلى روسيا وأوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا، على وقع غليان يجتاح العالم، نزاعات مسلحة أو حروباً تجارية.