النهار

مع تحياتي... مربية القطط
العنود المهيري
المصدر: النهار العربي
من عجائب الدهر أن أي حديث عن المناظرة بين دونالد ترامب وكامالا هاريس يكاد يتوارى في الأهمية خلف الأخبار عن دعم تايلور سويفت، إحدى أكبر فنانات البوب عالمياً، لهاريس. ​
مع تحياتي... مربية القطط
تايلور سويفت (أ ف ب)
A+   A-
من عجائب الدهر أن أي حديث عن المناظرة بين دونالد ترامب وكامالا هاريس يكاد يتوارى في الأهمية خلف الأخبار عن دعم تايلور سويفت، إحدى أكبر فنانات البوب عالمياً، لهاريس. 
 
الجميع انشغل بقياس انعكاس دعم سويفت على هاريس، لما تتحلّى به هذه الشقراء النحيلة من شعبية طاغية، وتأثير أشبه بالسحر، ونفوذ وجاذبية. الجميع يتساءل: كم من الأصوات ستستدرج لهاريس؟ وكم من التبرعات ستجلب إلى حملتها الانتخابية؟ وكيف سيستميل هذا الموقف الملايين من محبي المطربة؟ وهل ضمنت هاريس جيل الألفية والجيل زد، وهما أكبر شريحتين من محبي سويفت؟ بل هل ستزعزع سويفت، والتي بدأت كمطربة للـ"كانتري"، قناعة بعض عشاق ذلك الفن، والذين يميلون إلى كونهم محافظين سياسياً، وجمهوريي الهوى؟
 
وهذه التكهنات حول التأثير الفعلي لدعم سويفت لهاريس ليست بالمبالغ فيها، فلكم أن تتخيّلوا أن الرابط الذي شاركته المطربة للتسجيل من أجل التصويت تمّت زيارته أكثر من 300 ألف مرّة في غضون 12 ساعة من منشورها.
 
لكن كل ذلك الأثر يضمحل أمام الكلمات التي أمضت بها سويفت على بيانها: "مع الحب والأمل، مربية القطط غير المُنجبة". 
 
يمثّل توقيع سويفت رداً لاذعاً على جيه دي فانس، المرشح الجمهوري لمنصب نائب الرئيس، والذي يمتلك سابقة مخزية في استحقار النساء غير المُنجبات، إذ يرهن قيمتهن، كل قيمتهن، بمدى نجاحهن في تحقيق "متطلب الأمومة" من عدمه، ضارباً عرض الحائط بشخصياتهن، أو مؤهلاتهن، أو إنجازاتهن، أو حتى – في هذا السياق - البرنامج الانتخابي الذي وضعنه.
 
فقد وصف فانس الديموقراطيين بـ"مجموعة من مربيات القطط غير المنجبات، اللاتي يشعرن بالتعاسة من حياتهن، ومن الاختيارات التي أقدمن عليها، فيردن أن يجعلن البلد بأكمله تعيساً". ثم أشار إلى هاريس بالاسم كإحدى أولئك "التعيسات"، على الرغم من أنها في الواقع زوجة أب لطفلين. 
 
لقد استحضر صورة نمطية ميسوجينية ومهينة عن المرأة غير المنجبة، والتي تتفرغ لتربية القطط – ولا أدري متى أصبحت القطط بدائل للأطفال- وتتسم بالوحدة والبؤس، وتعادي المجتمع، وربما تطير على مكنستها الكهربائية. وجاء الردّ ساحقاً من سويفت، التي نشرت مع بيانها صورة لها مع قطها المصون، وكأنما تؤكّد للمخيلة الذكورية بأنها لا تخشى الاتهامات بأن تكون جميع ما سبق.
 
وهذا – في رأيي - أهم من التكهنات عن مدى تأثير مبادرة سويفت على السباق الانتخابي الأميركي.
 
فها هي واحدة من أنجح وأشهر، وربما أثرى، الشابات في العالم تسنّ سنة حسنة لقريناتها، وللمتطلعات إليها بعين الإعجاب، بأن "يعاقبن"، بأصواتهن وتبرعاتهن وكتاباتهن وإبداعاتهن، أي سياسي ينظر إليهن كآلات للتفريخ، وينكر قيمتهن دون "فضيلة" الإنجاب. 
 
لم تنتصر سويفت لهاريس ضدّ ترامب أو فانس، بل انتصرت لكل امرأة غير مُنجبة – منذ أولئك اللاتي اتُهمن بالشعوذة زوراً وبهتاناً إبان محاكم التفتيش - ضدّ مجتمعات تعتبرهن مجرد أوعية ناطقة لحمل الأجنة.
الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium