النهار

الغرب يدرس التعايش مع إيران النووية... المعضلة في تقبّل إسرائيل ودول المنطقة
رياض قهوجي  
المصدر: النهار العربي
تقدّم إيران البطيء نحو الانضمام لنادي الدول النووية بات أمراً واقعاً بحكم الحقائق والمعلومات المتوافرة. وجلّ ما تستطيع أميركا والدول الأوروبية فعله هو تأخير العملية لبعض الوقت، أو إقناع إيران بعدم تصنيع السلاح النووي رغم امتلاكها القدرة والمكونات لتحقيق ذلك.
الغرب يدرس التعايش مع إيران النووية... المعضلة في تقبّل إسرائيل ودول المنطقة
مواطن يسير أمام جدارية تصور صواريخ إيرانية في أحد شوارع طهران، 19 نيسان (أبريل) 2024 (أ ف ب)
A+   A-

يزداد قلق المجتمع الدولي من تقدّم برنامج إيران النووي، في وقت تستمر الحرب في غزة وعلى جبهات الإسناد الأخرى لمحور الممانعة، إذ هناك خشية كبيرة لدى مسؤولين في الغرب من أن تنزلق الأوضاع إلى مواجهة مباشرة مع إيران، الأمر الذي قد يدفع قادتها إلى اتخاذ قرار تصنيع الأسلحة النووية.

 

يسود اعتقاد لدى غالبية أجهزة الاستخبارات الغربية أن القيادة الإيرانية لم تتّخذ حتى الآن القرار باستخدام ما تملكه من اليورانيوم المخصّب لتصنيع أسلحة نووية، لكنها، إذا قرّرت ذلك، فهي تستطيع تصنيع ما لا يقل عن 4 رؤوس حربية في فترة لا تزيد عن السنة.

 

وبحسب آخر تقرير للوكالة الدولية للطاقة الذرية، فإن إيران قد خصّبت حتى شهر آب (أغسطس) الماضي 164 كيلوغراماً من اليورانيوم إلى نسبة 60%. تحتاج القنبلة النووية الواحدة 42 كيلوغراماً من اليورانيوم المخصّب بنسبة 93%. وقامت طهران بتطوير أجهزة الطرد لديها، بحيث باتت من الجيل السادس، ما يعني أنها تستطيع أن تخصّب ما تملكه من يورانيوم بنسبة 60 إلى 93% في أقل من شهر واحد. ويشكّك بعض الخبراء في إمكانية امتلاك إيران منشآت نووية سرّية تعمل على التخصيب والتطوير. وشكت الوكالة الدولية من استمرار منع إيران المحققين من زيارة بعض المواقع، كما أنها لم تسمح بتشغيل كاميرات المراقبة داخل منشآتها النووية. هذا التعتيم دفع مدير الوكالة رافائيل غروسي إلى رفع وتيرة انتقاداته لطهران، والتحذير من قرب امتلاكها ما يكفي من اليورانيوم المخصب لتصنيع عدة رؤوس نووية. القيادة الإيرانية تنفي نيتها تصنيع أي أسلحة نووية، وتصرّ على أن برنامجها النووي هو للأغراض السلمية.

ويشير تقرير لمركز الدراسات الدولية والاستراتيجية في واشنطن، إلى أن الإدارة الأميركية كانت قلقة من أن أي هجوم إسرائيلي على المنشآت النووية الإسرائيلية في نيسان (أبريل) الماضي قد يؤدي لدفع إيران إلى تخطّي عتبة تصنيع الأسلحة النووية. لذلك، مارست واشنطن ضغوطاً أدّت في نهاية الأمر إلى  تقليص حجم ردّ تل أبيب، الذي اقتصر على قصف منصة رادار لمنظومة صواريخ "إس-300" للدفاع الجوي قرب منشأة نطنز النووية. وتجدّدت المخاوف الأميركية من إقدام إسرائيل على استهداف منشآت إيران النووية بعد اغتيال زعيم "حماس" إسماعيل هنية في طهران. فتهديد طهران بتوجيه ضربة لإسرائيل انتقاماً لهنية سيفتح الباب مجدداً أمام إمكانية إقدام رئيس الوزراء الإسرائيلي على تنفيذ تهديداته القديمة الجديدة بقصف منشآت إيران النووية.

 

وكان نتنياهو قد أعاد في حزيران (يونيو) الماضي تشكيل مجموعات عمل مخصصة للتركيز على برنامج إيران النووي. وبحسب تقرير لـ"أكسيوس"، فإن مجموعات العمل هذه تضمّ مسؤولين من وزارة الدفاع والمؤسسة العسكرية وأجهزة الاستخبارات ووزارة الخارجية. مهمّة هذه المجموعات إجراء تقييم لمدى تقدّم برنامج إيران النووي بناءً على التطورات الميدانية ومعلومات استخباراتية جديدة. ونقلت "أكسيوس" عن يعكوف ناغل، مستشار الأمن القومي السابق لنتنياهو، أن معطيات استخبارية جديدة توفرت، مفادها أن إيران تُجري تجارب على أجهزة الكمبيوتر، تحاكي تطوير سلاح نووي. وأضاف أن تجارب المحاكاة هذه ستمكّن الإيرانيين من تخطّي تجارب تطبيقية مطلوبة في عملية تصنيع الرأس النووي، ما يعطيهم القدرة على بناء رأس نووي بشكل أسرع مما هو متوقع عند أخذ القرار السياسي بذلك. كما أن عمليات المحاكاة توفّر للقادة الإيرانيين القدرة على نفي إجراء تجارب وخطوات فعلية لتصنيع سلاح نووي.

 

ويحاول نتنياهو منذ سنوات عدة إقناع الإدارات الأميركية المتعاقبة بتوجيه ضربة عسكرية إلى منشآت إيران النووية. وكان قد عارض بشدّة الاتفاق النووي الذي وقّعته إدارة الرئيس باراك أوباما مع طهران في عام 2015، ولاحقاً أقنع الرئيس دونالد ترامب بالانسحاب منه في عام 2018. واستغلت إيران هذا الأمر لوقف تعاونها مع المنظمة الدولية للطاقة النووية، ولتستأنف عمليات تخصيب اليورانيوم بكميات أكبر وبنسبة 60%. وفشلت جهود إدارة الرئيس جو بايدن في التوصل إلى اتفاق نووي جديد مع طهران، وتوقفت المفاوضات كلياً نتيجة هجمات 7 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، التي أشعلت الحرب الحالية. ويعتقد العديد من الخبراء أن نتنياهو حاول عبر استهدافه قادة في الحرس الثوري في السفارة الإيرانية في دمشق ولاحقاً اغتيال هنية، استفزاز إيران وجرّها إلى حرب مباشرة مع الولايات المتحدة. لكن هذه المحاولات باءت بالفشل حتى الآن. إلّا أن استمرار العمليات العسكرية يبقي إمكانية الانزلاق إلى حرب واسعة قائمة، ما يبقي سيناريو استهداف المنشآت النووية الإيرانية قائماً.

 

بالنسبة إلى العديد من الخبراء والمسؤولين في الغرب وحتى حول العالم، فإن تقدّم إيران البطيء نحو الانضمام لنادي الدول النووية بات أمراً واقعاً بحكم الحقائق والمعلومات المتوافرة. وجلّ ما تستطيع أميركا والدول الأوروبية فعله هو تأخير العملية لبعض الوقت، أو إقناع إيران بعدم تصنيع السلاح النووي رغم امتلاكها القدرة والمكونات لتحقيق ذلك. وقد أبقت واشنطن على أقنية تواصل ديبلوماسية مع طهران للضغط عليها لتجنّب تخطّي العتبة النووية.

 

وفي مؤتمر أخير في إحدى العواصم الأوروبية، كشف خبراء من الولايات المتحدة عن اتصالات ومشاورات داخل أروقة صنع القرار الأميركي ومع إسرائيل حول كيفية التصرّف في حال قرّرت طهران امتلاك أسلحة نووية. تنامي العلاقات الدفاعية بين إيران وروسيا وكوريا الشمالية زاد من قلق القوى الغربية من تلقّي طهران ما ينقصها من خبرات وقدرات لتعزيز صناعاتها الدفاعية وتطوير قدراتها النووية. واستمرار الحرب في المنطقة وفي أوكرانيا بشكل متزامن، رفع مستوى الشعور بالتهديد لدى جميع الأطراف، ما يعني أنها ستلجأ إلى خطوات تعزّز قدراتها العسكرية التقليدية وغير التقليدية.

 

ويركّز الغرب في المرحلة الحالية على تصعيد خطوات العقوبات الاقتصادية على إيران، على الرغم من إدراك العديد من الخبراء محدودية نتائجها، لكنها الخطوة الأخيرة قبل اللجوء إلى  الخيار العسكري، وهو الخيار الذي هناك أيضاً شكوكٌ حول ماهيته وفعاليته، فمعظم المنشآت النووية الإيرانية موجودة تحت الأرض ومنتشرة في أماكن عدة، ما يعقّد آلية تنفيذ الخيار العسكري ويقلّل من فرص نجاحه.

 

المعضلة الأساسية بالنسبة إلى الغرب هي: كيفية إقناع إسرائيل بالتعايش مع إيران كقوة نووية، أي أن تخسر إسرائيل مكانتها كالدولة النووية الوحيدة في المنطقة، وأن تخسر أيضاً تفوقها العسكري المطلق. هذا إضافة إلى مشكلة أخرى سيواجهها المجتمع الدولي، وهي منع دول أخرى في الشرق الأوسط من السعي إلى امتلاك أسلحة نووية لتحقيق توازن استراتيجي مع إيران. وكان ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان قد حذّر قبل بضع سنوات من أن السعودية ستسعى إلى امتلاك سلاح نووي في حال أصبحت إيران دولة نووية.

 

لا أحد يدرك فعلاً كيف ستنتهي الأمور، إلّا أنه بات من الواضح أن سلسلة الأحداث المستمرة منذ 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023، قد تخطّت تداعياتها مسألة القضية الفلسطينية، وباتت اليوم متشابكة مع حرب أوكرانيا والصراع على النفوذ بين أميركا والصين. والاحتمالات المخيفة التي تحملها بعض السيناريوهات تدفع بالعديد من الدول إلى بذل جهود أكبر للتهدئة، وابتكار الوسائل لمنع التصعيد واحتواء الأحداث الأمنية. لكن مسألة تحوّل إيران إلى دولة نووية، وما يعنيه ذلك بعد إظهار محور الممانعة عن قدراته ونواياه في السنة الأخيرة، تبقى الشغل الشاغل لصنّاع القرار الدولي والإقليمي. وإلى جانب العواقب والخيارات العسكرية المتصلة بذلك، هنالك إمكانية ولادة واقع تشهد فيه المنطقة ردعاً نووياً متبادلاً، يخلق استقراراً ضمن أجواء حرب باردة، تماماً كما هو الحال بين الهند وباكستان.

الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium