في عام 2017، رفضت روبرتا ميتسولا (45 عاماً) مصافحة جوزيف مسقط، رئيس وزراء مالطا السابق، في لقاء رسمي حضرته آنذاك بوصفها نائبة في البرلمان الأوروبي الذي صارت رئيسته بعد 5 سنوات. لم يكن السبب أنهما على طرفي نقيض، فهو زعيم الحزب الاشتراكي الحاكم وهي من الحزب الوطني المحافظ المعارض. لقد تجنّبته لأن ثمة اتهامات وُجِّهت إليه بالتورط في جريمة اغتيال الصحافية الاستقصائية دافني كاروانا غاليزيا. واللافت أن الصحافية المغدورة نذرت حياتها التي قُصفت قبل الأوان، لإزاحة النقاب عن أنواع الفساد المتفشي في بلادها، ولا سيما غسيل الأموال والمحسوبيات.
المفارقة أن الراحلة كانت ستوجّه أنظارها على الأغلب إلى مواطنتها النافذة في بروكسل لو بقيت على قيد الحياة. ولعلّ إحجام رئيسة البرلمان الأوروبي عن إعلان "الهدايا" التي تتلقاها، أسوة بالنواب والوزراء في فرنسا وبريطانيا، على سبيل المثال، كان سيحظى باهتمام دافني. إلّا أن القسط الأوفر من جهد الراحلة كان سيتركز على "المحسوبيات" التي تُتهم المسؤولة الأوروبية بممارستها بحرّية كاملة.
في هذا السياق، كان تعيين ميتسولا ماثيو تابوني، وهو زوج أختها ليزا، رئيساً لموظفيها من "الإنجازات" المبكرة بعد التمديد لها في آب (أغسطس) الماضي. وقد تردّدت في ترقيته في عام 2022، بعدما خلفت ديفيد ساسولي، رئيس البرلمان السابق الذي خطفه الموت بشكل مفاجئ. فالعيون كانت تتركز على البرلمان بسبب فضيحة "قطر غيت"، فاكتفت وقتها بتعيينه رئيساً لمكتبها الخاص. وكان تابوني يدير مكتبها كنائبة في البرلمان منذ دخلته، ومنذ اقترن بشقيقتها وهو يصعد سلم المسؤوليات المهنية برشاقة.
والغريب أن منحه هذا المنصب المهم تمّ بصمت ولامبالاة من جانبها، برائحة المحسوبيات البشعة التي انبعثت بقوة من ترفيعه! وكانت هناك احتجاجات على تعيينه. ورأى مواطنها أليكس أجيوس ساليبا، وهو سياسي عمالي يقود فريق نواب مالطا في البرلمان الأوروبي، أنه يستحق الشجب كدليل على "استشراء المحسوبيات".
وقد وضعت هي معايير أخلاقية جديدة لضمان الشفافية والاستقامة تنطبق على جميع من يعمل في البرلمان، باستثناء يتيم هو رئيسته نفسها! هكذا، لم تجد نفسها مضطرة لتبرير اختيار رئيس موظفيها الجديد أو الإعلان عن صلة القرابة بينها وبينه. والطريف أن هذه القواعد تستدعي من النواب الكشف عن أي اجتماعات يعقدونها مع أعضاء جماعات ضغط. لكن، ماذا عن الرئيسة "المعفاة من المساءلة" التي تعيش تحت سقف واحد مع أوكو ميتسولا، أحد أبرع العاملين في هذا المجال في بروكسل؟ فزوجها هو كبير أعضاء جماعة الضغط لدى "مجموعة رويال كاريبيان"، ثاني أكبر شركة سفن "كروز" السياحية في العالم.
تزوج أوكو، الفنلندي الأصل، من روبرتا في عام 2005، وقيل إنه بدأ يمارس مهنته قبل دخولها البرلمان. ويؤكّد أنه توقف عن العمل في الضغط لتحقيق مصالح مجموعته من طريق أعضاء في البرلمان الأوروبي بعد تسلّمها الرئاسة. وكلاهما يصرّ على أن هناك ما يشبه "سور الصين" بين عمليهما، فلا هو يتدخّل بما تقوم به، ولا هي تبالي بما يفعله!
لكن، أهم ما يجتهد أوكو في معالجته هو مشروع الاتحاد الأوروبي لوضع حدّ للتلوث الصناعي الناجم عن عمل شركات كشركته، وهي واحدة من مصادر غازات الدفيئة التي تسبب الاحتباس الحراري. والاتحاد ملتزم العمل على تحقيق هدف تصفير انبعاثات الكربون بحلول عام 2050. ولهذه الغاية، تمّ إقرار "الصفقة الخضراء" في عام 2020، التي تغيّر موقف ميتسولا منها بين شدّ وجذب إثر وصولها إلى رئاسة البرلمان. وللبيئة قصة مشابهة للشفافية معها. فبعدما سعت إلى التموضع في صفّ أنصار السياسات الخضراء لسنوات، كانت لها مواقف محيرة في العام الماضي، حين طالبت بكبح الاندفاع نحو تطبيق هذه المبادرات لأنها "تدفع الناس إلى حضن اليمين المتطرّف".
وعلى الرغم من نفيها الكامل لوجود صلة لها بعمل زوجها، فإن كثيرين يرون في علاقتهما بحدّ ذاتها عاملاً مساعداً للغاية في نجاحاته، سواء تعمدت الأخذ بيده أم لم تفعل. إن حقيقة كونه زوجها تجعله مقرّباً من جميع المؤثرين في قرارات الاتحاد الأوروبي، وهذا يجعله أقدر من زملائه في المهنة، كما يهيئ له الوصول في أيام إلى النافذين في بروكسل الذين يحتاج آخرون إلى أشهر لترتيب موعد معهم.
وقد تعزّزت انطباعات المشككين بدورها في دعمه حين شدّدت في أيار (مايو) الماضي، في شريط فيديو رسمي، على "أهمية الصناعة البحرية لرفاهية أوروبا وازدهارها". وفيما أكّد أوكو عدم معرفته بمساهمتها تلك، قالت فيكي كان، الناشطة في مجال مكافحة الفساد في أوروبا: "كانت تصريحات الرئيسة العلنية بشأن صناعة زوجها غير ضرورية وليست حكيمة، ولم ترقَ إلى مستوى وفاء الرئيسة [بالتزامها] تبني معيار أعلى".
ثمة مشكلة أعمق. فرئيسة البرلمان الأوروبي تكمل ما بدأه أكبر ثلاثة موظفين في الاتحاد. رئيسة المفوضية أورسولا فون دير لاين لا تزال تصارع تهمة "إساءة إدارة" صفقة سرّية أبرمتها مع "فايزر" لشراء لقاحات كورونا بقيمة 37,6 مليار دولار، ويتوقع أن تبتّ المحكمة في هذه القضية في كانون الأول (ديسمبر) المقبل. وكذلك يخضع أنطونيو كوستاس، رئيس وزراء البرتغال سابقاً والمجلس الأوروبي حالياً، للتحقيق بتهم الفساد والكذب. أما كايا كالاس، رئيسة وزراء إستونيا السابقة والممثلة العليا للخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي، فتواجه تهماً بالتورط في فساد ناجم عن ممارسات زوجها أرفو هاليك المزعومة.
من المؤسف أن تسير ميتسولا على خطا الثلاثة الكبار في الاتحاد لجهة السمعة التي تحوط بها الشكوك، وفي الوقت الذي تشتدّ فيه هجمة اليمين المتطرف عليه بحجة الغموض والتبذير والبيروقراطية، وغيرها. ويُخشى أنها بإمعانها في تجاهل قواعد الشفافية التي وضعتها، فإنها تمدّ يد العون لمن يحاولون قتل الاتحاد الأوروبي!