في ذروة معركة سياسية داخلية وعلى خلفية تحدّي إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، قرّر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو توسيع أهداف الحرب على غزة التي دخلت يومها الـ348، لتشمل عودة سكان مستوطنات الشمال قرب الحدود مع لبنان إلى منازلهم.
هذا القرار يؤكّد أنه لم يعد للحرب من أهداف، بل أن الحرب بحدّ ذاتها باتت الهدف. واختار نتنياهو أن يأتي القرار بالتزامن مع الزيارة التي أعلنتها وزارة الخارجية الأميركية للوزير أنطوني بلينكن للقاهرة الثلاثاء (أمس)، في مسعى أميركي متجدد لمناقشة مسألة محور فيلادلفيا على الحدود بين غزة ومصر، الذي يرفض رئيس الوزراء الإسرائيلي الانسحاب منه، حتى ولو أدّى ذلك إلى إجهاض المساعي المبذولة أميركياً للتوصل إلى وقف للنار في غزة وإنجاز صفقة لتبادل الأسرى.
واتخذ نتنياهو قرار توسيع العمليات العسكرية في الشمال بعد ساعات من لقائه المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين، الذي حذّره من أن يؤدي ذلك إلى حرب شاملة تشارك فيها إيران. هذه الحرب التي بات معروفاً على نطاق واسع أن أميركا لا تريدها ولا إيران ولا "حزب الله".
واعتبر وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، في محادثات مع نظيره الأميركي لويد أوستن وهوكشتاين، أن قرار "حزب الله" عدم الانفصال عن الحرب في غزة، هو الذي يدفع الحكومة الإسرائيلية إلى اتخاذ قرار بتوسيع العمليات العسكرية إلى الشمال.
أميركا ترى مساراً معكوساً للأحداث. هدنة غزة وحدها تتيح حلاً ديبلوماسياً في الشمال يؤمّن عودة سكان المستوطنات، في حين أن توسيع العمليات العسكرية والتهديد بدخول برّي لإقامة حزام أمني في الجنوب، قد يقودان إلى الحرب الإقليمية الواسعة التي تمّ تجنّبها حتى الآن بالتنسيق بين أميركا وإيران، ويحملان في طياتهما إمكان تورط الولايات المتحدة في نزاع آخر في الشرق الأوسط على أبواب الانتخابات الرئاسية، ولا يعيدان سكان المستوطنات.
ويستخدم نتنياهو تصعيد التوتر في الشمال كي يتخلص أيضاً من غالانت الذي يُعتبر وديعة أميركية في الحكومة الإسرائيلية. وهناك تهديد بإقالته وتعيين زعيم حزب "اليمين الوطني" جدعون ساعر المنشق عن "معسكر الدولة" الذي يتزعمه الوزير السابق في مجلس الحرب بيني غانتس مكانه. التخلص من غالانت، تطالب به أحزاب الحريديم المشاركة في الإئتلاف الحكومي، لأنه يصرّ على تجنيد طلاب المدارس الدينية، بينما يريد نتنياهو الحفاظ على تماسك حكومته، ولا يريد تعريضها للسقوط إذا انسحب منها حزبا "شاس" ويهودوت هاتوراه". والوزيران المتطرفان إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش يؤيدان أيضاً إزاحة غالانت، لأنه يميل إلى التوصل إلى هدنة في غزة. كما أن سارة نتنياهو زوجة رئيس الوزراء التي تلعب دوراً مؤثراً في السياسة الإسرائيلية، تريد استبدال غالانت بساعر، على رغم ما قيل عن تغيير رأيها في الساعات الأخيرة. أما المسؤولون الأميركيون فينقل عنهم أنهم يعتبرون أن إقالة غالانت في زمن الحرب تعدّ "ضرباً من الجنون".
وسط كل هذه المناخات المفعمة بالتوتر، يأتي بلينكن إلى القاهرة، بحثاً عن ضوء في نهاية النفق. يترافق ذلك مع كلام لمسؤول في إدارة بايدن لا يتوقع فيه التوصل إلى حل في وقت قريب. والغاية من الزيارة هي طمأنة إسرائيل إلى أن محور فيلادلفيا لن يُستخدم في تهريب السلاح إلى غزة. وكان لافتاً تذكير وسائل إعلام إسرائيلية بأن الجيش الإسرائيلي الذي أعلن العثور على 9 أنفاق في رفح تحت محور فيلادلفيا، كانت كلها مهجورة منذ سنوات، ما يفرغ زعم نتنياهو أن هذا المحور هو "أوكسيجين حماس" وصلتها مع العالم، من مضمونه.
زيارة بلينكن إلى مصر تأتي لتعبئة الفراغ في المساعي السياسية التي باتت في خلفية المشهد، تتقدم عليها الاستعدادات الإسرائيلية لتوسيع الهجمات على لبنان، واحتمالات اشتعال حريق إقليمي في لحظة قاتلة بالنسبة إلى إدارة بايدن.