النهار

"ثمن" تنازل فون دير لاين!
عمّار الجندي
المصدر: النهار العربي
هللت إسرائيل لقرب خروج مسؤول الخارجية والأمن في الاتحاد الأوربي جوزيب بوريل الذي اتهمه وزير خارجيتها إسرائيل كاتس أخيراً بـ “معاداة السامية"! لكن قد لا تطول فرحة تل أبيب وأنصارها بخليفته رئيسة وزراء استونيا كايا كالاس.
"ثمن" تنازل فون دير لاين!
اورسولا فونديرلاين وتيري بريون
A+   A-
اعتبر المفوض الأوروبي الفرنسي تيري بريتون، أن كفاءة رئيسة المفوضية أورسولا فون دير لاين لناحية وضع السياسات والقواعد اللازمة لتحقيق أهداف الاتحاد الأوروبي هي "موضع شك". ربما وجه وزير المالية الفرنسي الأسبق هذا الاتهام الخطير في حالة غضب قبيل استقالته بداية الأسبوع الماضي. إلا أن نظرة عجلى على أعضاء المفوضية الأوروبية المعينين حديثاً لحمل راية الاتحاد حتى 2029 الذين أُعلنت أسماؤهم الثلثاء الماضي قد تجعل توصيف بريتون قابلاً للنقاش.
 
فقد اضطربت التوازنات بين أعضاء الكتل البرلمانية الـ26 الذين وردت أسماؤهم في قائمة المفوضين المعلنة بسبب تضمينها ممثلاً لليمين المتطرف في خطوة بدت نوعاً من التطبيع الذي لم تشهد المفوضية مثله من قبل. هكذا تم تعيين رافايلو فيتو مرشح كتلة "الأوروبيون المحافظون الإصلاحيون" المتطرفة مفوضاً لـ“التماسك والإصلاح". وسمي أيضاً نائباً تنفيذياً للرئيس، وذلك للمرة الأولى في تاريخ الاتحاد. وأثار اختيار هذا العضو البارز في حزب "أخوة إيطاليا" بزعامة جورجيا ميلوني، موجة من الاستهجان من الكتل البرلمانية كلها. أما نصيب كتلة "حزب الشعب الأوروبي" المحافظة صاحبة الأغلبية في البرلمان الأوروبي، التي تنتمي إليها فون دير لاين، فبلغ 11 مفوضاً، تلتها "التجديد" الليبرالية بخمسة مفوضين، ثم "الاشتراكيون الديموقراطيون" بأربعة مفوضين، والمستقلون بمفوضين. 
 
واستُحدثت حقائب للمرة الأولى للدفاع ومنحت لأندريوس كوبيليوس رئيس الوزراء الليتواني سابقاً، والإسكان، وكانت من نصيب الدنماركي دان يورغنسن، وكذلك حقيبة شؤون المتوسط وذهبت إلى الكرواتية دوبرافكا زويكا.
 
وتبدو مهمات عدد من المفوضين متناقضة، أو أقله لا صلة وثيقة بينها. وزيرة الخارجية البلجيكية خديجة لحبيب ذات الأصول الجزائرية تم تعيينها مفوضة أوروبية لـ"الجاهزية وإدارة الأزمات والمساواة"، ما يعني أنها ستكون مسؤولة عن توزيع موازنة كبيرة للمساعدات الإنسانية في أنحاء العالم، وكذلك عن الدفاع عن حقوق المرأة والمثليين والمتحولين الخ! والأدهى أن الفروق بين مهمة هذا المفوض وذاك تبدو ضئيلة إلى حد مربك. وقد يحار المراقب في طبيعة وظيفة بعضهم. مثلاً المفوضة الإسبانية تيريزا ريبيرا التي سُميت نائبة رئيس تنفيذية لشؤون "الانتقال النظيف والعادل والتنافسي"، المعنية أساساً بالمضي بالاتحاد على طريق تحقيق "الصفقة الخضراء" وصولاً إلى تصفير الانبعاثات الكربونية بحلول 2050. وإلى جانبها، حصل وزير الخارجية نائب رئيس الوزراء الهولندي الأسبق فوبكه هويكسترا على حقيبة "المناخ وصافي التصفير والنمو النظيف"، ويورغنسن على ملف "الطاقة والإسكان"، وكل منهما يتقاطع عمله جوهرياً مع زميلته الإسبانية. 
 وإذ يتردد أن مدريد كانت أكبر الرابحين، إذ صارت ممثلتها الشخص الثاني في المفوضية، فاليمين بشقيه المحافظ والمتطرف حاضر بقوة. من جهة أخرى، زاد مفوضو دول البلطيق أهمية، وتراجع دور المفوض الهنغاري، ما يعني أن النفوذ المفترض لروسيا وأنصارها في الاتحاد الأوروبي قد تقلص.
 
في غضون ذلك، هللت إسرائيل لقرب خروج مسؤول الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل الذي اتهمه وزير خارجيتها إسرائيل كاتس أخيراً بـ“معاداة السامية"! لكن قد لا تطول فرحة تل أبيب وأنصارها بخليفته رئيسة وزراء إستونيا كايا كالاس. تجاهل الإعلام الإسرائيلي، حينما أعلن عن تعيينها بادئ الأمر في حزيران (يونيو) الماضي، تصريحات فارقة لها في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي عن شعورها "بالصدمة للخسائر بالأرواح بين الأبرياء في مستشفى الأهلي"، وها هو يغض الطرف مرة أخرى عن تساؤلاتها عن سر الكيل بمكيالين حين يتصل الأمر بإسرائيل وروسيا. درجت العادة بين المراقبين الموضوعيين على تسليط الضوء على اهتمام الغرب بضحايا الحرب الأوكرانية ومعاناتهم وتجاهله الفلسطينيين ضحايا حرب الإبادة المستمرة. لكن ربما كانت كالاس سباقة في نيسان (أبريل) إلى التساؤل: لماذا استنفر الغرب للتصدي لصواريخ ومسيرات إيران التي استهدفت إسرائيل في الوقت الذي يترك فيه الأسلحة المماثلة تروّع الأوكرانيين من دون أن يحرك ساكناً لحمايتهم أسوة بالإسرائيليين.
 
أحد مآخذ اليمين المتطرف، الذي يشكل "أصدقاء" موسكو قوة ضاربة فيه، على كالاس هو أنها متخصصة في الدفاع عن أوكرانيا ومهاجمة روسيا. وبوسعها تفنيد التهمة، من خلال الإمعان في وضع النقاط على الحروف بما يتعلق بأرمة الشرق الأوسط. وفي هذه الحالة ستجد الدعم والمساندة من جانب ريبيرا. ولا شك في أن المفوض مايكل ماكغرات وزير المالية الإيرلندي السابق مفوض "الديموقراطية والعدالة وسيادة القانون" لن يتأخر في بذل قصارى جهده لمساعدتها،
 
إلا أن "أصدقاء" إسرائيل كثيرون، في مقدمتهم فون دير لاين ذاتها وفيتو. كما أن مفوض الدفاع كوبيليوس حليف قوي لتل أبيب ومدافع عنيد عن "حقها في الدفاع عن النفس". أما جوزيف سيكلا المفوض التشيكي لـ“الشراكة الدولية"، فلعله يتفوق على بنيامين نتنياهو في الإعجاب بإسرائيل، إذ سبقه إلى تأكيد أن الحرب التي تخوضها في فلسطين هي حرب "المتحضرين ضد المتخلفين"!
 
 فشلت فون دير لاين في إعطاء المرأة حصة مساوية للرجل في المفوضية، لكنها أعطتها أغلبية على حساب الرجال في فريق نواب الرئيس التنفيذين، المؤلف من 4 مفوضات ومفوضين. واستطاعت أن تبقي حقيبة "الموازنة" البالغة الأهمية، التي أسندتها إلى البولندي بيوتر سيرافين، في قبضتها، لأنه من كتلتها. وأبرمت صفقة جديدة مع ميلوني حصلت الأخيرة بموجبها على حقيبة أقل أهمية مما أرادت، لكنها سجلت اختراقاً غير مسبوق مع أنها رفضت دعم التمديد لفون دير لاين! وخلافاً لتساهلها مع الزعيمة الإيطالية، همشت مرشح فيكتور أوربان الزعيم المجري حليف ميلوني المتعب. إلا أن هذه الأسماء كلها ستكون قريباً تحت رحمة البرلمان الأوروبي المخول إحداث تغييرات جذرية في التعيينات. 
 
ويخشى منتقدو فون دير لاين أن التنازل لليمين المتطرف، سيكون له "ثمن" مضاعف: الأول سيدفعه هذا الفصيل لمن منحته هذه الفرصة، والثاني ستسدده أوروبا من علاقات مكوّناتها وصورتها في العالم!
 

اقرأ في النهار Premium