مبارك، لقد وصلت إلى إسرائيل. أنت الآن واحد من 30 ألف طالب أفريقي للجوء، الأغلبية العظمى من إريتريا والسودان، وبعضهم من جنوب أفريقيا، وغيرها.
الخوف كل الخوف أن تعلق في الوضع القانوني الذي يُشبّه بـ"البرزخ"، فلا يُرفض طلبك اللجوء، ولكن الموافقة قد تتأخر حتى 10 سنوات. لا تنس، إسرائيل توافق على أقل من 1% فقط من الطلبات.
ولكن اطمئن، فمنذ الـ7 من تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، بتنا نتطوّع للعمل في مراكز الإدارات المدنية، وفي المشاريع الزراعية، لترسيخ ولائنا ونفعنا للمجتمع الإسرائيلي. وبعضنا –ربما أذكانا - تطوّع مباشرة في الجيش الإسرائيلي، والمزيد منا في الطريق الآن لحمل السلاح، والقتال في غزة، الأمر الذي وعدتنا الحكومة الإسرائيلية بأنه سيعزز أسرع من أي وقت مضى من حصولنا على الإقامة الدائمة.
يتعالى – بالطبع - تنديد المنظمات الحقوقية واستهجانها، والصحف اليسارية مثل "هآرتس"، وحتى حركة "حماس"، والتي أصدرت بياناً عنا. إنهم ينتقدون الإسرائيليين الذين "يستغلون حاجتنا، ويلوون أذرعنا"، لتحويلنا إلى آلات حرب رخيصة يلقون بها إلى التهلكة في العمليات الخطيرة في غزة.
لا تلتفت إليهم، ولا تدعهم يصبغونك بفرشاتهم الضيقة المحدودة الألوان، حيث يكون الموقف من اللاجئ إما أبيض ناصع البياض، أو أسود حالك كالليل.
إنها أفاعيل الاستقطاب السياسي الحاد، فإما الشيطنة الكلية للاجئين الذين يسرقون الوظائف، ويمتهنون الإجرام، ويغشون الزبون المحلي الساذج، ويأكلون القطط والكلاب الأليفة، كما يزعم دونالد ترامب، وحتى "يخطفون الرجال"، وهي تهمة كوميدية وجدت بعض العرب يوجهونها إلى اللاجئات السوريات في بلدانهم. وإما التبرئة الكلية للاجئين، فيستحيل أن يصدر منهم التطرف، أو الفساد، أو الانحلال، أو تطبيع التحرش بالنساء والبيدوفيليا، وغيرها من آفات لا يرصدها سوى "العنصري المتطرف". بل يستحيل أن يختار هؤلاء اللاجئون الشر وسوء السلوك، وألا يكونوا مرغمين عليه، وكارهين له، وكأنما ليسوا بشراً مثلنا، فيهم الطيب والخبيث، والمتزن والمعتل.
سيخبرونك – عزيزي طالب اللجوء لدى إسرائيل - بأننا مجرد ضحايا لاستغلالية الحكومة الإسرائيلية وانعدام أخلاقها، دفعتنا ظروفنا القاهرة وحدها إلى امتطاء الدبابات، وإطلاق المدافع على المدنيين العزل. سيحاولون إقناعك بأنك تتساوى في المظلومية مع الشهداء الذين فتك بهم الجوع والمرض ببطء، وبأنك تماثل الثكالى واليتامى. سيصورون لك أن هلعك من تأخير طلبك للجوء يماثل هلع العائلة التي رأت النيران - والتي أطلقتها أنت، بالمناسبة - تحاصر خيمتها وتلتهمها.
والويل والثبور لمن يشير إلى حقيقة أنك تطوعت بكامل إرادتك للانخراط في الجيش الإسرائيلي، من دون أن يطالك التجنيد الإجباري كالإسرائيليين، ومن دون أن تكون مهدداً بالسجن في حال تخلّفك عن النداء. حتى "حماس" لم تجرؤ على ذكر هذه التفاصيل المزعجة في بيانها، واكتفت بالتشنيع على إسرائيل.
الويل والثبور لمن ينطق بالواقع، وهو أنك – ببساطة - قايضت إنسانيتك بحلم الإقامة الدائمة. لا تقلق، أنت لاجئ، فلا يمكن أن تكون سوى ضحية.