يعزى الفضل في تجنب الحزب الاشتراكي الديموقراطي الذي يقود الائتلاف الحاكم في ألمانيا، الخسارة في الانتخابات الإقليمية في ولاية براندنبورغ الأحد، إلى رئيس وزراء الولاية ديتمار فويدكه، وليس إلى المستشار أولاف شولتس الذي يعاني تدنياً قياسياً في شعبيته.
احتلت الانتخابات في براندنبورغ الواقعة في شرق ألمانيا أهمية بالغة، لأنه لو كان حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني المتطرف قد فاز في هذه الولاية عقب حلوله في المركز الأول في الانتخابات الإقليمية في ولايتي تورينغن وساكسونيا قبل ثلاثة أسابيع، فإن هذا الحزب لربما كان في طريقه ليحدث اختراقاً كبيراً يغير وجه ألمانيا في الانتخابات على المستوى الوطني بعد عام من الآن.
انتخابات براندنبورغ التي حصل فيها الحزب الاشتراكي الديموقراطي على 31 في المئة من الأصوات في مقابل 29 في المئة لحزب "البديل من أجل ألمانيا"، جعلت شولتس يتنفس الصعداء، ولكن إلى حين.
المعطيات تشير إلى أن فويدكه خاض الحملة الانتخابية بذكاء، عندما فصل نفسه عن شولتس، وأبرز سجلاً رائعاً من الإنجازات الاقتصادية داخل الولاية خلال سنوات توليه منصبه منذ 11 عاماً. ويحكم الحزب الاشتراكي الديموقراطي الولاية منذ توحيد ألمانيا عام 1990. والعام الماضي، بلغت نسبة النمو في الولاية 2.1 في المئة بينما كانت على المستوى الوطني 0.3 فقط. ومتوسط الأجور في الولاية هو الأعلى في الولايات الواقعة شرق ألمانيا. وقال إن الهدف كان منع وضع "ختم بني كبير" على براندنبورغ، وهو اللون المرتبط بالفاشية. وأثّرت التعبئة التي قام بها خلال الحملة في الناخبين، إذ بلغت نسبة المشاركة في الانتخابات 74 في المئة.
وأملاً في تقليد تجربة فويدكه، يعلق شولتس آمالاً على انتعاش اقتصادي، في وقت لا تبدو المؤشرات الاقتصادية الأخيرة مشجعة، ذلك أن نسبة النمو في ألمانيا ستكون نحو صفر هذه السنة، وفق معهد "إيفو" للأبحاث. وتنعكس أسعار الوقود المرتفعة وبطء الاقتصاد الصيني، على التعافي الاقتصادي في ألمانيا.
ونظراً إلى أن الانتخابات تمحورت حول شخصية فويدكه، فإنه لن يكون في مقدور شولتس الاستفادة منها على المدى البعيد. ولذلك يدور نقاش داخل الحزب حول إمكان استبدال، بشخصية شولتس، وزير الدفاع بوريس بيستوريوس الذي يعتبر شخصية كاريزمية في زعامة الحزب عند خوض الانتخابات المقبلة، على غرار ما جرى في الولايات المتحدة مع تنحي الرئيس جو بايدن عن السباق الرئاسي لمصلحة نائبته كامالا هاريس كمرشحة عن الحزب الديموقراطي في الانتخابات الرئاسية التي ستجري في 5 تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل. ترشيح هاريس أعاد الزخم إلى الحملة الديموقراطية، بعدما كان المرشح الجمهوري دونالد ترامب يتقدم على بايدن بهامش مريح.
وتظهر استطلاعات الرأي أن بيستوريوس يحظى بنسبة قبول تصل إلى 53 في المئة، بينما يحظى شولتس فقط بنسبة 18 في المئة. هل يمكن أن ينجح احتمال استبدال بيستوريوس بشولتس في ترميم شعبية الاشتراكيين الديموقراطيين؟ سؤال ليس من السهل الإجابة عنه الآن.
ولا بد من الإشارة إلى أن اليمين المتطرف الذي يلعب على وتر الهجرة في الدرجة الأولى لكسب التأييد الشعبي، يحقق نتائج متقدمة جداً، ليس في ألمانيا فحسب، بل في دول أوروبية أساسية مثل فرنسا وهولندا وبلجيكا وبولندا، وهو يقود الائتلاف الحاكم في إيطاليا.
لا بد أن العامل الاقتصادي الذي يربطه اليمين المتطرف مباشرة بالهجرة، هو الذي يغير الخريطة السياسية في أوروبا، ويمكنه من فرض نفسه لاعباً أساسياً منذ سنوات، وذلك على حساب الأحزاب التقليدية التي ظهرت عقب الحرب العالمية الثانية.
وما يحدث في فرنسا من أزمة حكم عقب الانشطار البرلماني الذي أفرزته الانتخابات التشريعية في تموز (يوليو) الماضي، أكبر دليل على مأزق جدي يواجه أوروبا ويطلق مؤشرات أخطر بكثير مما هو ظاهر حتى الآن.